الخميس، 4 مارس 2010

ستون عاما على نكبتنا 28-4-2008

في مثل هذه الأيام قبل ستين سنة خرج أبي وامي وأختي ومعهم جدي من قريتهم "زكريا" القريبة من الرملة الى حيث لا يدرون ، ولكن الشاحنة التي أقلتهم استقرت بهم ابتداء في قرية صغيرة تدعى النويعمة قضاء أريحا ، حيث وضعت أمي طفلتها الثانية "نعيمة" تيمنا بالمكان الجديد ، وكأن أبي بدأ يؤرخ لحقبة جديدة ليس معروفا إن كانت ستطول أم تقصر ،لكن العودة الى زكريا كانت هاجسا يحفزهم فانتقلوا الى قرية سعيرقضاء الخليل قبل أن يستقر بهم الترحال في بقعة بمنطقة بيت لحم أصبحت تعرف فيما بعد بمخيم الدهيشة .

كان جدي مؤمنا بالعودة السريعة ،الى حيث الجميزة التي كان يقضي تحت أغصانها أجمل أوقاته ويلتقط من حباتها أطيب الثمار ، وظل يردد رجاءه الى الله أن لا يميته الا بعد ان يعود الى تلك الجميزة ، ولكثرة ما كان ذلك همه ، كانت أختي الكبرى حين ينهرها او يضربها أو يغضبها تنبري لتقتص منه وتؤجج غيظه بقولها :الله يجعلك عمرك ما تروّح على بلادك .وصارت أمي لاحقا تقول تعقيبا على ذلك : كأن أبواب السماء كانت مفتوحة ، فلقد توفي جدي بعد ستة عشر عاما على لجوئه دون أن يتمكن من العودة الى جميزته ، وتزوجت أختي قبل ذلك بسنة بعد أن أكملت تعليمها الاعدادي إكراها ،لأنها كانت ترغب في استكمال تعليمها الثانوي الذي كان متعسرا للأولاد أنذاك ، فكيف للبنات ؟

من بين الآشياء التي حرصت والدتي على إحضارها معها غداة الرحيل عدا عن صندوق الحديد الذي كان يحوي ملابس عرسها وزينتها ،الدجاجة التي كانت يومها ترقد على نحو عشرين بيضة من بيضاتها ،تقول والدتي أنها لم تستطع الصعود الى ظهر الشاحنة "اللعينة" وتترك وراءها دجاجتها التي لا بد ستأتي الكلاب لتنهشها ، وخاصة أنها مهتمة ببيضها الذي يشرف على التفقيس ، "الدجاجة وصغارها أمانة في عنقي، ولن يسامحني ربي على تركها"، عدا عن أنها كانت تسمع جدها يقول : دادوا - أي راعوا- هزائل حيواناتكم ولا تدادوا هزائل أولادكم ، فهزائل حيواناتكم ستعود عليكم بالخير ،بعكس مداداة هزائل اولادكم " .وأنجبت أمي بعد ذلك سبعة أولاد ، ثلاثة في الخيمة التي منحنا إياها الصليب الأحمر قبل أن تمنحنا وكالة الغوث الدولية "بيتا" لا يصلح لأكثر من عشرة أعوام ، "تكونوا خلالها قد عدتم الى بلادكم" ، هذا ما قالته الوكالة الدولية ، وها هي الاعوام العشرة أصبحت ستين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق