الجمعة، 5 مارس 2010

ارحموا ام ربيع 26-6-2009

وصلت ام ربيع المحكوم ابنها بالسجن المؤبد الى مكان الاعتصام الاسبوعي بجانب مقر الصليب الاحمر على غير عادتها هذه المرة ، وصلت تبتسم ، وكأنها سمعت نصيحتي بأن لا تمضي العمر حزينة ومبتأسة ويائسة الا إذا ساعد ذلك في اطلاق سراح ربيع او قلل من مدة محكوميته . قلت لها بما تسمح علاقتي بها وبزوجها الخلوق : غير معقول يا ام ربيع ان يمضي ربيع زهرة شبابه وراء القضيان وانت تمضيه هما وكدرا ونكدا وألما مفتوحا ، وتنقلي هذا الى بقية ابنائك واولادك ، ان هذا لا يروق لربيع ، وليس من أجل هذا انخرط في صفوف النضال . العكس هوالصحيح ، لقد أخذ على عاتقه مقاومة الاحتلال شأنه شأن الالاف من ابناء هذا الشعب لكي يدرأ عنهم الحزن والهم والألم المترتبه على الذل والهوان الذي كابدناه جيلا وراء جيل .

دعوكم من الطويل ، المهم وصلت ام ربيع هذه المرة والابتسامة واضحة جلية على محياها ، ابتسامة تختلف عن بقية الابتسامات التي تراها على بقية الوجوه من وجوه التصنع والمحاباة والمجاملة والتملق ، ابتسامة أم هرمت قبل اوانها ، وغزتها امراض عصر الحضارة والرقي والتمدن ، وسلمت علي بإبتسامتها العميقة الصافية ، وسحبت كرسيا بلاستيكيا الى منطقة الظل تحاشيا لشمس حزيران اللهابة ، قلت لها : ما أجمل ابتسامتك يا أم ربيع ، من اين اشتريتها ؟ فضحكت أكثر فأكثر ، وضحك معها زوجها العزيز . وبدأت الكلمات الخطابية ذات الديباجة المعهودة والمعروفة ... احد عشر الف اسير ، محرومون من زيارة ذويهم ، اطلاق سراحهم ، الامهات الصابرات ، المفاوض الفلسطيني ، الاسرى المرضى ، ذوو الاحكام العالية ، العزل ، والزي البرتقالي . ثم عرجوا على احمد سعادات الذي خرج للتو من اضرابه عن الطعام . سألت نفسي ان كان أحمد سعدات ، هذا المناضل الشرس ، يقبل بإطلاق سراحه وفق اي متطلبات اسرائيلية ، لو كان الامر كذلك لأعترف بالمحاكمة ، وقبلها بالمحقق واتهاماته التي انكرها جملة وتفصيلا ، بل لو كان الامر كذلك لما حمل منذ نعومة أظفاره مشعل النضال في أشكاله الجنينية الاولى ، وهو في هذا شأنه شأن ربيع وكل افواج الشهداء والاسرى والجرحى والمنتظرين على هذا الطريق

حضرني بالطبع عشرات الاسماء ممن آثروا الموت داخل أقبية التحقيق ، كي يصونوا اسرار غيرهم ، وكأنهم يقولون ، نموت كي نعيش ، لا كما يموت البقية الباقية من الناس ، وكان القائد الاسير صدام حسين أحد ابرز هؤلاء ، الذي كان بإمكانه مجايرة حياته وشرائها من ان اجل ان يعيش عدة سنوات اخرى ، فأختار ان يموت لكي يعيش في قلوب شعبه وأمته الى الابد .

بعد انتهاء الخطابات ، نظرت الى أم ربيع ووجدتها تضع رأسها بين يديها وتبكي بكاءها المر المعتاد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق