الخميس، 4 مارس 2010

شيفرة حروفها محمود درويش 11-8-2008

وأخيرا هدأ الشاعر الكبير محمود درويش ، الاسم الذي شكل لنا نحن الفلسطينييون كلمة سر التفاؤل وشيفرة الاعتزاز بالذات على مدار عقود عمره القليلة وكأنها عقد واحد ، والكثيرة ، وكأنها قرون عده ، منذ قال : "سجل انا عربي ، ورقم بطاقتي خمسون الف ، وأطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف "، مرورا بـ "يا ظلام السجن خيّم إننا نهوى الظلاما ، ليس بعد الليل الا فجر مجد يتسامى"، ومديح الظل العالي ، ولماذا تركت الحصان وحيدا ، و "أنا يوسف يا أبي والذئب ارحم من اخوتي ، هم سمموا عنبي وحطموا لعبي "، وانتهاء بلاعب النرد .

حياة تبدو وكأنها هادئة رتيبة هانئة اشبه بحياة شاعر ،ولكنها ليست كذلك أبدا أبدا ، في تفاصيلها و تلابيبها ثورة عارمة على كل شيء ومن اجل اي شيء وبدون مهادنة او مساومة على الصح والمنطق والتاريخ .

كانت محطاته الصدامية الابرز مع الاحتلال منذ ان قال له : "أنا لا أكره الناس ولا أحقد على أحد ، ولكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي ، حذار حذار من جوعي ومن غضبي" . وانفجر الاحتلال في وجهه عندما طالبت حكومة شامير من فرنسا بضرورة اعتقاله بتهمة اللاسامية ، عندما قذفهم بـ " ايها العابرون في الكلمات العابرة ، اخرجوا من بحرنا من ملحنا من جرحنا من قمحنا ".

اصطدم الشاعر الكبير مع قيادة الثورة حين رفض منصب الوزير في حكومات السلطة ، وقال انه "يعود الى ارض الوطن من بوابته الخلفية ، وأننا في اتفاقية غزة واريحا اولا ، لم نحرر سوى الليل في غزة" التي كانت تخضع لمنع تجول ليلي . وقبلها اصدم مع المعارضة حين قبل ان يصبح عضوا في اللجنة التنفيذة لمنظمة التحرير الفلسطينية فتعرض لانتقاداتها ، الامر الذي دفعه ان يكتب رسالة مفتوحة الى جورج حبش يقول له فيها ان "يلجم مجانينه" ازاء التحريض عليه ، وفي مؤتمر الجزائر حيث صاغ وثيقة الاستقلال تقدم منه جورج حبش واعتذر له عما بدر ، وأكبر هذا فيه موقف الحكيم .

اصطدم ايضا مع المعارضة الجديدة ، المعارضة الدينية المتمثلة بحركة حماس بعد اقتطاعها غزة : "لولا الحياء والظلام لزرت غزة دون ان أعرف الطريق الى بيت ابو سفيان الجديد ، ولا اسم النبي الجديد ، ولولا ان محمدا هو خاتم الانبياء لصار لكل عصابة نبي ولكل صحابي ميليشيا . أعجبنا حزيران في ذكراه الاربعين إذ لم نجد من يهزمنا ثانية هزمنا أنفسنا بأيدينا لئلا ننسى".

اليوم ، يرتاح هذا القلب من الألم ، ويرتاح هذا الجسد من معارك الكر بلا مفر ، ويتوسط صفحة ناصعة في تاريخ شعوب المقاومة ، وارشيف غني بالمباديء والمفاهيم الجميلة التي بدورها تستطيع ان تؤسس لكتاب تاريخي سهل الهضم أكثر منه ديوان شعري موزون اللحن ومضبوط القافية . وإذا كان الشاعر الكبير ابو سلمى قد وجد شاعرا فذا يؤبنه كمحمود درويش ويقول له : "أعطني يدك لأقرأ عليها خارطة الوطن" ، فمن يا ترى سيؤبن محمود درويش الذي سنقرأ فيه خارطة الوطن بشقيها الجغرافي والتاريخي على حد سواء ، سوى كلماته الثاقبة : "ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة، ما أوسع الثورة" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق