الخميس، 4 مارس 2010

"الثقافة والمثقفين " 25-8-2008

لا نظن ان الرئيس ابو مازن قد قصر معنى دعم الثقافة في كلمته التأبينية على قبر الراحل الكبير الشاعر محمود درويش ، بدعمها المالي كما خيل للبعض ، بحيث أخذ هؤلاء يعدون عدتهم النقدية والبنكية وكشوفات الحسابات والمشاريع والايجارات والحوافز والدوافع والبواعث والسفر والاكراميات وبقية قائمة المصاريف الأخرى والتي في الغالب تأتي في بند خاص ويقصد فيها ربما الاقلام والدفاتر والمشروبات واجرة المواصلات .

و لا نظن ان رفع موازنة وزارة الثقافة من اربعين الف دولار الى اربعماية او اربعة ملايين بل وعشرات أمثالها قادرة على انجاب شاعر كمحمود درويش او روائي كأميل حبيبي او قاص كغسان كنفاني او رسام كاريكاتير كناجي العلي . أربعة هؤلاء فلسطينيون ، رحلوا عن هذه الدنيا ، ولا نظن ان لابداعاتهم الخالدة علاقة بالمرتبات والمخصصات والحوافز والمصروفات الأخرى ، بل لربما نستطيع القول انهم خلقوا في اسر فقيرة ، وإذا ما كانت اسرهم التي انحدروا منها ميسورة الحال ، فان اللجوء والتشريد حولها الى عائلات فقيرة تسكن الخيام في المخيمات وتنتظر اعانات وكالة غوث اللاجئين ، وأي متفحص لابداعات هؤلاء يلمس ذلك بوضوح ، خاصة غسان كنفاني في "أم سعد" خيمة عن خيمة تفرق ، و"عائد الى حيفا" و " رجال في الشمس" وكذلك ناجي العلي الذي عاش اللجوء في مخيم عين الحلوة ، والذي مهر رسوماته بلاجيء فلسطيني فقير رث الثياب ، ولكنه حين ينزعها في احدى الرسومات تظهر خارطة فلسطين كلها على لحمه . بالمناسبة ، من يعيد قراءة رسومات هذا الفنان الكبير يكتشف أنه كان يستشرق المستقبل ، في احدى رسوماته يسئل هذا الفلسطيني الفقير إن كان ضفاويا ام غزاويا ، فيجيب : فلسطينيا . لم نكن بالطبع قد وصلنا الى ما نحن عليه اليوم في غزة والضفة .

لم يكن هناك بالطبع وزارات ثقافة ترعى الثقافة والمثقفين ، ونستطيع الجزم انه منذ ان اصبحنا بوزارات ليس لها مضمون الوزارات الحقيقي ، الا من حيث الموازنات والمخصصات والنفقات وجيش من الموظفين شبه العاطلين ومكاتب بفراشين ، ماتت الثقافة ،وبدلا من ان يموت المثقفون ، زاد عدد الشعراء والقاصين والرسامين والمؤلفين ، ففي بيت لحم وحدها هناك أكثر من ثلاثين شاعرا كل واحد له ديوان شعري واحد على الأقل ،وأصبح بإمكان كل كاتب ان يطبع كتابا على نفقة الوزارة او الاتحاد ، وأخيانا على نفقته الخاصة لكنه يحصل النفقة اضعافا كمكرمة من الرئيس الراحل ياسر عرفات ايمانا منه انه يدعم الثقافة والمثقفين ، وأنه خلال فترة قريبة سيكون لدينا غسان كنفاني آخر وناجي علي جديد .

في مقدمته لأعمال كنفاني ، كتب يوسف ادريس : ايها الناس ، اقرأوا كتب غسان كنفاني مرتين ، مرة لتعرفوا انكم موتى بلا قبور ، ومرة أخرى لتعرفوا انكم تجهزون قبوركم بايديكم وأنتم لا تدرون ، قبور الثقافة بلا ثورة و الثورة بلا ثقافة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق