الخميس، 4 مارس 2010

خريف 26-9-2008

يزداد تشاؤم المتشائمين بحلول الخريف ، ويقدمون لك ألف سبب وسبب لتشريع تشاؤمهم إزاءه ، ومن بينها انه الفصل الذي تتساقط فيه اوراق الشجر الخضراء فتبدو جرداء حزينة ، وفيه تبدو الطبيعة وكأنها فقدت حسمها ووضوحها ، فلا هي بصيف تصحبه أشعة الشمس الساطعة ، ولا بشتاء تصحبه الامطار والغيوم الملبدة والعواصف والسيول . وعليه يحتار الانسان ماذا يلبس لمواجهة هذا التقلب ، وهل بإمكانه الخروج ليلا لقضاء امسيته في الهواء الطلق ام ينطوي على نفسه .

وربما يذهب المتشائمون أبعد من ذلك في توجيه اتهاماتهم وصب غضبهم على فصل الخريف من أنه عوضا عن تقلبه وإفتقاده للوضوح وظهوره بمظهر الانتهازي وموقف اللا موقف ، فإنهم يتهمونه بالخداع والغش والمكر ، حين يوحي لك صباحا بأنها مشمسة ، فيداهمك المطر فجأة دون ان تكون مستعدا ، والعكس صحيح .

ولا يحتاج المتشائمون الى كل هذا وأكثر لتبرير وتشريع تشاؤمهم إزاء هذا الخريف المسكين الذي يعلقوا على مشجبه كل شؤمهم وبؤسهم ، فقد خرجوا لتوهم من فصل الصيف ، وكانوا على حالهم متشائمين منطويين متشككين متذمرين ، ونظن انهم سيرحّلوا سوداويتهم الى الشتاء أيضا .

صحيح أن كل شيء في بلادنا يدعو الى الحزن والقلق ، والتاجر الذي باع الناس بضاعة فاسدة حتى في الشهر الفضيل ، لم يكن الاستثناء ، فقد باعنا السياسي أيضا بضاعة مضروبة ، ولم يستطع الايفاء بالحد الادنى من وعودات مفاوضاته إزاء السنة الحاسمة ، ولا حتى خمس عشرة سنة من سياساته الخريفية ، وحتى الذي عارضه بشعارات الاصلاح والتغيير ، فإنه لم يصلح ولم يغير الا في موقعه الاستئثاري ، وإذا كان الاول يفاوض العدو مباشرة ، فإن الثاني يفاوضه من خلال وسيط او من تحت الطاولة او من وراء حجاب ، وبعبارة طقسية ، بشكل خريفي .

قد ينبري لك المتشائمون فيأخذون عليك تفاؤلك في مثل هذه الظروف ، وهي أدعى بالذي يرى الجنازة ويقول : دايمة ، أو يعدون تفاؤلك بأنه ضرب من الجنون والهبل ، وفي هذا ربما انهم محقون ، ولكن تشاؤمهم لن يغير شيئا في واقع الموت والجنازة وفساد السلع وتساقط اوراق الخريف ، إن بقاءهم في قوقعتهم داخل شرنقتهم لن يمنع الموت ولن يعيد لنا صاحب الجنازة الذي يحتاج اكثر ما يحتاج الى بعض من اكتافنا نحمله عليها لنشيعه ونودعه قبره .

الأمر ايضا ينسحب على الخريف ، الذي يتطلب أخذ إحتياطاته ، ليس فقط من باب اننا لا نستطيع منع تساقط اوراق الشجر ، بل من باب اهميته واهمية تساقطها كي تبرعم وتزهر من جديد في ربيع قادم .

مطر ناعم في خريف بعيد / و السماء زرقاء.. زرقاء و الأرض عيد/ و أنا لا أريد/




من بلادي التي ذبحتني، غير منديل أمي ، وأسباب موت جديد ." محمود درويش "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق