الخميس، 4 مارس 2010

محمود دروبش يحتاج الى حراسة 15-8-2008

يحتاج محمود درويش للحراسة ، بل وللحراسة المشددة ، ليس فقط من الفوضى العارمة التي تجتاحنا هذه الآونة والتي لن يستقيم فيها خيط واحد نمده من المقاطعة الى المقبرة كي نواريه بما تبقى من ثرانا ، رغم صدق المشاعر ونبلها من هرم السلطة وحرصها على الشاعر الكبير والذي نكذب على انفسنا ونغالطها حين ندعي ان "الرحم الفلسطيني الذي انجبه قادر على انجاب مثله" في محاولة مكشوفة للتقليل من شأنه و ومعارضة المحزونين والمفجوعين على فقدانه ، فلقد مضى على فقدان اابو الطيب المتنبي قرابة الف سنة لم ينجب الرحم العربي كله مثله حتى الان ، واذا اعتبر البعض انه انجب ، فإننا بالكاد نسمي عشرة عشرين ثلاثين في احسن الاحوال ، اي بمعدل شاعر في كل ثلاثين عام من الرحم العربي الذي يناهز تعداده مئتا الف امرأة معروف كيف تعيش وماذا تكابد ومن تتزوج وكيف تتزوج وكيف تتطلق وتهجر ويتم الزواج من غيرها مثنى ورباع ومسيار ومتعة ... الخ .


كان يمكن ان يكون التشييع أكثر اكتمالا وهيبة وجمالا ، لأنها تعكس اولا واخيرا وضع الأحياء لا الاموات ، وكان يمكن تنظيم جوقات تعيد غناء ما وضعه هذا الشاعر الفذ والذي ملأ الدنيا العربية بشاعريته المتدفقة و كلماته النافذة والذي اسهم فنانون كبار بوضع الحانها وغنائها مثل مارسيل خليفة وخالد الهبر وأميمية الخليل ، بدءا بـ "أحن الى خبز أمي" ، الى " في الضفة اطفالي سبعة ، اصغرهم يرضع تاريخا ، اوسطهم اسمه جيفارا ، أكبرهم ثائر في الضفة ، أطفالي وامرأتي وأنا ، نصرخ : فليرحل محتلي فليرحل " الى "عندما يذهب الشهداء الى النوم أصحوا واحرسهم من هواة الرثاء وأقول لهم تصبحون على وطن " .


هناك قصائد غناها الاسرى في سجونهم ووضعوا دون ان يدروا الحانها الخلابة ، وكانوا عندما يبدأون في الغناء تنتقل من زنزانة الى زنزانة ومن قسم الى قسم حتى تجد السجن كله يؤديها بقوة وانفعال ، وكـأنها الكلمات قد كتبت من أجلهم فتتحول الى نسيج من لحم ودم وحناجر تملأ المكان بالعزيمة والاصرار . من بين تلك القصائد الدرويشية : "يحكون في بلادنا يحكون في شجن ، عن رفيق لي مضى وعاد في كفن" .


هناك مخاوف على تراث الرجل من التضييع والتبديد ، فقد ظهر بوضوح كاف لكل بصر وبصيرة ان حكومة غزة لا تحبه ولا تستسيغه ، ربما لأنه شيوعي وربما لأن له موقفا سياسيا مغايرا وربما لأنه انتقد خطوتها اقتطاع القطاع والتربع على عرشه . وبغض النظر عن مشروعية تخوفاتنا ، فإن الانجليز يحفظون تراث وليم شكسبير بعد مضي نحو خمسماية سنة على رحيله . حولوا منزله الى متحف يحج اليه الناس من كافة اصقاع المعمورة ، ترى سريره الذي كان ينام عليه وبعض من ملابسه ومقتنياته الشخصية . حتى قريته تحولت الى منطقة سياحية من الدرجة الاولى يعرضون مسرحياته على طول النهار والليل ، يبيعون كتبه ، وصوره بعدة شكال ، على القمصان والقبعات والصحون ... من الذي يمنعنا ان نعمل ذلك مع محمود درويش ؟؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق