الاثنين، 7 مارس 2011

للمرأة دور أكبر في هذه الثورة العربية

يتوجب بدءا ان نهنئها بعيدها العالمي ونتقدم اليها بأبسط ما نستطيع ، امنيات جميلة بجمالها وصبرها البعيري على الظلم والقهر والحرمان ، ويكفيها فخرا ، المرأة العربية عموما ، انها لم تشارك في ان تكون من ضمن طغاة العرب الذين حكمونا بالحديد والنار عقودا وعقودا ، وها هم يسقطون اليوم واحدا واحدا تحت قبضات الجماهير و حناجرها الصادحة بالحرية .

وللاسف الشديد ، فإن المرأة العربية تظل متخلفة عن ركب المرأة العالمي بحكم عوامل عديدة ، وهي كلها عوامل وهمية اكثر منها صحيحة وحقيقية بما في ذلك ما تم إلصاقه بالدين ، وهونفسه الدين الذي حكم يوما اوروبا وتخلصت من قيوده الفولاذية ، فتحررت المرأة وشقت طريقها كي تكون الرئيسة والوزيرة والسفيرة والطبيبة والبروفسورة ، ورأينا مارغرت تاشر وانجيلا ميركل تحمان دولا عظمى ، وقبلهما نديرا غاندي تحكم امة عظمى يناهز تعدادها الالف مليون انسان . ناهيك عن ثلاث وزيرات للخارجية الامريكية مادلين اولبرايت وكونداليزا رايس وهيلاري كلينتون ، والاخيرة تقوم اليوم بتخريج الفتاوى حول ثوراتنا ، وتقول عن هذا الحاكم العربي ان يرحل وعن ذاك بأن يبقى ويجري بعض التصليحات . وكي نكون أكثر قربا ، فهناك عشرات الرئيسات المسلمات ، لكن ليس العربيات مثل بنازير بوتو التي حكمت الباكستان وميغواتي سوكارنو التي حكمت اندونيسيا وخالدة ضياء التي حكمت بنغلادش .

الاضهاد الذي تعرضت له المرأة العربية ، وما زالت ، هو اضهاد قروني ، فهي حتى اليوم تجلد في الشوارع لأنها تلبس بنطلون ، ويحظر سفرها بدون المحرم ، وتمنع من قيادة السيارة ، وكأنه كان هناك سيارات عندما تم تحريم ذلك شرعا ، وبالمناسبة فإن الذي حرم ذلك عليها شرعا ، هو نفسه الذي يفتي اليوم بتحريم المظاهرات شرعا . وحين سئل الاخ القائد معمر القذافي مرة عن سبب زواجه بالثانية اجاب كي يكمل دينه على اعتبار ان المرأة نصف الرجل ، وهذا لا يقاس بالملك الذي كان في قصره عشرات الزوجات ، وقد قيل مؤخرا ان مفتي مصر متزوج سرا عشر زيجات ، ناهيك عن ذبحها بدعاوي الشرف ، وفي مخيم فلسطيني اغتصبها خالها وبعد ذلك قتلها وادعى انها سقطت في الحمام ولما يكن لها من العمر اكثر من اثنتي عشر سنة . المرأة السعودية تنفق ملياري دولار سنويا على المكياج ، والبعض يعد ذلك تحررا .

اليوم تعيش الامة العربية بمسلميها ومسيحييها وسنييها وشيعتها وكافة اطيافها حالة من الثورات العظيمة ، وعلى المرأة العربية ان لا تنتظر اكثر مما انتظرت ، وحين تتحرر البلاد من نير انظمتها العميلة ستكون المرأة اول المستفيدين والمتحررين .

الأحد، 6 مارس 2011

ثورات تنجز مهماتها بالقطعة 5-3-2011

الثورة المصرية تواصل تحقيق منجزاتها ، وكأنها تريد ان تعلمنا مفهوما جديدا للثورة المعاصرة ، او بالادق للثورة ما بعد الانترنت والفيس بوك ، انجازات بالقطعة او في لغة السوق "بالمفرق" ، فها هي تحاصر الرئيس المخلوع "اللا مبارك" ، وها هي تقصي احمد شفيق وتعين عصام شرف احد مؤييديها ليشكل حكومة جديدة لا يكون فيها ابو الغيط وأضرابه . ثورات تصنع الامجاد ، وثورات هرمت ولم تعد تستطيع التنفس الا من رئة "المبارك وزين العرب والمليك المفدى وسمو الامير وفخامة السلطان" ، وها هم يتساقطون واحدا بعد الآخر ، بمن فيهم قائد ثورة الفاتح.

الثورة المعاصرة ، او ثورة ما بعد عهد الانترنت ، تتعصى و تتأبى على الكثيرين من أبوات الثورات القديمة ، بما في ذلك ثورتنا الفلسطينية بأطيافها القومية والاشتراكية والدينية ، ناهيك عن الاحزاب العربية التي لم تستطع للاسف الشديد الولوج الى العصر الجديد ، بل حين ولجها الآخرون ، وبالتحديد فئة الشباب ، شككوا فيهم ، ليس في قدرتهم فحسب ، بل وفي انتماءاتهم ومرجعياتهم وولاءاتهم ، وفي هذا ما لا يفيد أحدا ، بمن في ذلك أبوات الثورات الذين كفوا عن النضال الا بما تيسر ، في انتظار نضوج الظرف الموضوعي ، على اعتبار ان الظرف الذاتي (هم) ناضج وجاهز ، في حين انتقلت ثوراتهم وحركاتهم وأحزابهم الى صف النظام الحاكم رغم ما يبدونه من معارضة "ديمقراطية" ، مشكلين بذلك جزءا لا يتجزأ من النظام المأزوم ذاته .

في الثورة الفلسطينية ، انتقلت حركة فتح من الثورة الى السلطة ، وهذا هو مأزقها الآن ، فهي غير قادرة على الوصول للدولة و لا العودة الى الثورة ، وبسبب هذا الموقف التراوحي ، فقدت ثقة الشعب بها وخسرت آخر انتخابات تشريعية ، ثم أتبعت ذلك بإلغاء الانتخابات البلدية . ما انطبق على فتح ، انطبق على حماس بعد تسلمها السلطة في غزة ، إذ لا تستطيع اقناع الجماهير انها ما زالت حركة مقاومة ، وها هي ترفض الدعوة للانتخابات ، اي انتخابات سواء البلدية او الرئاسية او التشريعية تحت مبررات لا تصمد امام ان فترتها الافتراضية قد انتهت ، الا إذا ارادت ان تكون نظاما يحكم الناس الى الابد ، فتكون كالقذافي تماما ، بل ان القذافي شخص له عمر افتراضي سينتهي .

فصائل اليسار التي شاركت في حكومات السلطة السابقة ، وعلى الاخص حكومة فياض ، تتمنع اليوم عن المشاركة ، مع انها طالبت بأكثر من وزير في المرات السابقة ، والذي رفض الاشتراك بالمطلق شارك في الانتخابات التشريعية ، وكأن هناك سلطة تشريعية بدون سلطة تنفيذية ، وكأن التنفيذية افراز اوسلوي ، والتشريعي افراز هافاني . هذا ايضا افقد هذه الفصائل مصداقيتها وشعبيتها ،

هذه الصورة الفلسطينية ، مكثفة في مصر عشية الثورة ، ولهذا رأينا كيف ان احزاب المعارضة ، بما في ذلك الاخوان الذين لم يكن النظام ليعترف بهم في حزب ، سارعوا لتلبية دعوة عمر سليمان لقاءه بعد ان اجبرت الثورة مبارك بتعيينه نائبا له . فيطير بعد ذلك بأيام الرئيس ونائبه ، فنكتشف ان الظرف الموضوعي كان ناضجا والذاتي هو الذي كان متأخرا ان لم يكون معوقا ومعوقا (بكسر الواو وفتحها) .

كيف يضيق الوطن بالزعيم فلا يبقى له فيه حتى ولو "زنقة" 28-2-2011

تكاد القواسم المشتركة تتطابق على الزعماء العرب ، بغض النظر عما إذا كان مسماه رئيسا او ملكا او اميرا او سلطانا او حتى قائدا ثوريا كما مع العقيد معمر القذافي .

فلقد حكموا شعوبهم بالحديد والنار عدة عقود ، وتعاملوا معها انها قطعان ، القذافي تعامل مع شعبه مؤخرا على انهم جرذان ، وفي العقد الاخير تجرأوا توريث الحكم لأبنائهم من اصلابهم ، وخرج المتملقون بما في ذلك المفتي الديني لمباركة التوريث واعتماد هذا "الشبل من ذاك الاسد" .

في القواسم المشتركة ، يحكم الزعيم العربي حتى الموت وما بعده ، فترى ان صوره ما تزال تغطي الساحات والجدران والمرافق والمؤسسات ، وبدلا من ازلتها بعد موته ، اصبحنا نرى صورة ابنه الى جانب صورته .

و ترى ان قوات الامن واجهزة المخابرات والشرطة والجيش والحرس الخاص وامن الرئاسة والسجون تحت الارض ، مكرسة كلها لخدمته وخدمة قصوره وعائلته واملاكه وعقاراته وأطيانه وثرواته ، ولكنها سرعان ما تنفض من حوله بمجرد شعورها انه بدأ يهوي .

في القواسم المشتركة ، ان الزعيم العربي مرتبط بأمريكا ارتباطا مهينا ، وصل مع وزيرة الخارجية السابقة كوندليزا رايس ان تتجاوزهم وتتجاوز نظرائها فتعقد اجتماعاتها مع مدراء المخابرات العربية ، فتصبح مهمة الزعيم اغداق الهدايا الثمينة فقط ، غير مدركين ان هذه الهدايا تذهب الى ملكية الدولة .



في السقوط ، الذي أصبحنا نراه شهريا ، وربما تحمل لنا الاشهر القادمة سقوطا بالمجوز ، (نظامين نظامين) ، نرى ان القواسم المشتركة ايضا تتالى ، يبدأ الزعيم بالهجوم على الشعب : قلة ، بلطجية ، عصابات ، مندسين ، مخربين ، مهلوسين ، ثم ينهال على "الجزيرة الحقيرة" ، فيمنعها ويغلق مكاتبها ، واحيانا يحرقها ، ثم بعد ان تستعر اوار الثورة يرميها بالرصاص ويقتل ويجرح المئات وينزل دباباته في الشوارع ، وطائراته في الجو ، وحين يفشل ، يلجأ الى أزلامه يندسوا بين المتظاهرين ويرتكبون مجازرهم وما يندى له الجبين بما في ذلك اعمال اغتصاب والجمال والبغال والمرتزقة .

بعد ذلك يبدأ بالتنازل ، تنازلا تلو التنازل ، لكن في الوقت الضائع ، واضعا قدما في الطائرة وفي الطائرة السابقة زوجته وابناءه وخدامهم وما استطاعت ان تطوله ايديهم مما غلا سعره وخف وزنه . فلا يجد حتى "زنقة" في ارض الوطن تقبل به .

هل يتعظ زعيم عربي واحد ، فيختصر الطريق ويقدم استقالته ، فلا يضطر للرحيل ،

أم ان عليه السير فيه حتى نهايته فلا يجد حتى جدة لاستقباله .

من ضمن النكات المصرية قبل اندلاع اعمال الثورة المصرية ان بن علي حام بطائرته فوق شرم الشيخ ، واتصل عدة مرات بمبارك قبل ان يرد عليه ،

- نعم ، ماذا تريد ؟

- مكان

- لا يوجد مكان لك ، بالكاد أجد لنفسي . لكن اذهب الى جلالة أخينا عبد الله وسلم عليه وقل له بأنني سآتي للحج هذا العام وقد يكون حجا مبكرا .

" في الشرق لنا حكاما قردة " 25-2-2011

مفارقات عديدة يستطيع الانسان استنتاجها واستنباطها جراء "قذافي" الثوريين العرب ، ابرزها انه خلال العقد الاخير من حكمه الذي امتد ليتجاوز اكثر من نصف عمره ، اصبح محسوبا على الغرب القريب والبعيد على حد سواء ، ونقصد اوروبا وامريكا ، بيسارهما ويمينهما على حد سواء ، عندما أذعن اذعانا مهينا وعمد الى تفكيك منشأته النوويه بيديه بل وقدم اعترافا عمن ساعده في انشائها ونقصد عالم الذرة الباكستاني عبد القدير خان . كان قبلها يطلق شعاراته الثورية التي انطلت على الكثيرين ، وأخذ على صدام حين سمح للقوات الدولية تفتيش العراق بحثا عن اسلحة نووية قوله ان صدام سمح لهم تفتيش الملابس الداخلية لزوجته ساجدة . لكنه بعد اعدام صدام ، أقام له نصبا تذكاريا بجانب نصب عمر المختار .. يداه التي فكك بها نوويته ، هي نفسها يديه التي لبس فيهما قفازات بيضاء ليتنجنب ملامسة ايادي الزعماء لعرب الذين صافحوا اسرئيليين ، وهي نفسها لتي يبيد اليوم بهما شعبه . وقبل بضع سنوات من هذا العقد أعلن عدم انتمائه للعرب بل للافارقة ، وخلال برهة قصيرة أطلق على نفسه ملك ملوك افريقيا . واليوم يعلن تخليه عن شعبه حيث يطلق عليهم إسم الجرذان والمهلوسين ويطلق عليهم مواد الابادة "من الصحراء الى الصحراء في كل بيت وحارة وشارع وزنقة" ، بل ويعلن انه سيقسم "الجماهيرية الاشتراكية الديمقراطية الشعبية العظمى " وسيحرق نفطها ... الخ .

لم تظل ثورة في العالم تقريبا لم يدعمها "الاخ القائد" بالمال وربما العتاد ، ولم يظل نظام عربي واحد لم يختلف معه بما في ذلك منظمة التحرير ، رغم ان ذهنه تفتق عن اقامة دولة "اسراطين" ، وفي مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بغداد قبيل غزو الكويت ، اعرب الاخ القائد عن مستوى رضاه بنتائج القمة التي يمنحها درجة "صفر" ، وعندما طلب منه تفسير ذلك ، أجاب بأن باقي القمم كانت دون الصفر .

قائد الثورة وملك الملوك يرقص اليوم رقصة الموت الاخيرة ، لقد فتش عن نفسه عندما انكر على الشعبين التونسي والمصري ثورتيهما ، فحزن حزنا شديدا على زين العابدين وقال كان على الشعب التونسي ان يبقيه وئيسا مدى الحياة ، وتعاطف مع مبارك حين قال انه رجل فقير ، سبعون مليارا ، ربما فقيرا بالنسبة اليه الذي بدأت المصادر تشير الى ان ثروته تتجاوز مئة مليار ، لكن الاهم من ذلك أنه أبى بإصرار المجانين مقارنة ليبيا بمصر وتونس ، او القذافي بمبارك .

****** ****** *******

يا رب كفى خجلا / يا رب كفى ثيرانا / كفى حكاما مثقوبين / يا رب كفى / قردة.. قردة../ يا سادة ياسواح المعمورة / في الشرق لنا حكام قردة / أجلس قدام كنيسة روما أعرض كل بضاعتنا / هذا الجوع العربي المالك للنفط/ هذا نصف خليج / مملكة للجوع وللاوبئة الجلدية والقيء / ولكن للثورة أيضاً ... الشاعر الكبير مظفر النواب .

استمرار الثورة هو الذي يحفظ دماءها 18-2-2011

رسالة الى الثوار في الميدان وبقية أنحاء مصر العريضة و العظيمة التي قزمها حسني مبارك الى الحد الذي بالكاد تأكل فيه اللقمة ، الوفاء لدماء ثلاثمائة شاب وشابة طحنهم النظام في غمرة اسبوعين من الزمن ، فشكلوا الحالة الجماعية الايثارية كي يتخلص الشعب كله ، بملايينه التسعين من طغمة النظام الفاسد .

بالامكان وضع صورهم وحتى تماثيلهم وتسمية الشوارع والساحات بأسمائهم اسما اسما ورسما رسما ، لكن هذا لا يحفظ دماءهم التي قدموها عند مذبح التحرر الجميل الذي أعاد لمصر رونقها وبهاءها واملها وعزها ، فعاد المصري في كل مكان ، يفاخر بمصريته بعد ان كاد يخفيها خجلا منها .

عبر ثلاثين سنة من حكم مبارك اقدم نظامه (جيشه بقيادة الطنطاوي الذي اصبح قائد البلاد ، ومدير امنه عمر سليمان الذي اصبح نائبا لرئيس الجمهورية واحمد شفيق الذي اصبح رئيسا للحكومة ) ، وهؤلاء جميعهم عينهم مبارك قبل "سفره" الى شرم الشيخ او جدة او تل ابيب ، لا أحد يعلم الا الله واوباما و ثلاثتهم ومن استقبله في الطرف الآخر .

على مدار الثلاثين سنة ارتكب هذا النظام ما لم يكن حتى في أسوأ كوابيس الشعب المصري من إفقار وتجويع وإذلال وقمع وسجون وفساد واختلاس و آخر ما حرر تزوير الانتخابات البرلمانية وتفجير كنائس المؤمنين ، كوابيس الشعب المصري راودت الامة بأكملها ، آخرها الجدار الفولاذي التحت ارضي في الحدود مع غزة ، غزو العراق والتصدي لحزب الله والمصادقة على شن الحرب على غزة والمساهمة الفاعلة في حصارها وتجويعها رغم ما ابدته قيادتها من مرونة ومطاوعة له .

إن حفظ دماء هذه الكوكبة من الشهداء يتمثل في عدم النزول عن الجبل (الخروج من الميدان ) تحت ذرائع وتبريرات واعذار أشد قبحا من الذنب ، لأن هذا ليس وقت جمع الغنائم وقطف الثمار ، وهناك من المؤشرات والدلائل ما يكفي لقرع الجرسية ، لا الجرس فقط ، والتي يسمعها حتى الاصم بأن دماء الكوكبة ستضيع هدرا ، بل ان الطنطاوي وسليمان وشفيق ، ونحو مليونين من اجهزة الامن يتأهبون للانقضاض عليها وسحقها نهارا جهارا .

حفظ دماء الكوكبة لا يكون الا اذا أزهرت وبرعمت لدى ثلاثمائة مليون انسان في الوطن الكبير الذي عانى ما عاناه الشعب المصري ، وهم اليوم يعولون على ما تقوم به هذه الثورة ، والتي بدأت بالفعل في العديد من البلدان .

بالمناسبة ، امريكا اطلقت اسم سالي زهران على مركبة فضائية وقالت ان احلامها التي لم تسعها الارض ، ستسعها السماء . فهل حقا ان امريكا حريصة على تحقيق اماني وتطلعات الشعوب ؟

وبالمناسبة أيضا ، فإن بإمكان الرحم المصري تعويض الكوكبة عدديا في ثلاث ساعات ، لأن معدل الزيادة العددية في مصر طفل في كل 27 ثانية ، فهل حقا هكذا يكون تعويضهم .

نظام مبارك لم يسقط بعد 14-2-2011

بسرعة قياسية تبددت مظاهر الفرح عن وجوه المصريين التي ارتسمت على محياهم بعد إجبارهم زعيمهم حسني مبارك على التنحي ، ربما لأنهم ادركوا ان المجلس العسكري بقيادة وزير الدفاع حسين طنطاوي الذي سيقودهم خلفا له هو من قام مبارك بتعيينه قبل "سفره" الى شرم الشيخ ، وان الحكومة التي ستحكمهم برئاسة احمد شفيق ، هي نفسها التي اعتمدها مبارك قبل عدة ايام ، في محاولته الالتفاف على الجماهير الغاضبة . وأن مئات الالاف من الاجهزة الامنية والشرطية والبلطجية ما زالوا في مواقعهم ومناصبهم ، وأن فقراء الشعب لم يغن فرحهم عن خواء بطونهم سوى ليلة واحدة ، هي ليلة رحيل الطاغية الملياردير ، وان العمال لم يتحسن دخلهم الا إذا اضربوا واعتصموا واحتجوا ، وهذا ما بدأوا يفعلونه الآن اكثرمن ايام الاعتصامات في ميدان التحرير .

الاعلام الرسمي مرئيه ومسموعه ومقرؤه لم يتغير الا قليلا ، بعض من مقابلات مع المعارضة الرسمية الهرمة شبه المروضة ، التي سارعت الالتقاء بعمر سليمان الذي اصبح نائبا للرئيس ، وبعض من الاغاني القديمة التي واكبت انتصار حرب اكتوبر ، على اعتبار ان الطاغية زرع علم التحرير في ارض سيناء المحررة ، كما ادعى في خطابه الاخير قبل الرحيل ، متناسيا طلبه من اسرائيل زيادة بعض القوات الشرطية المصرية فيها لحماية الحدود من المهربين والمتسللين والفارين من السجون ، ورفضت ، ما يعني انها ، سيناء ، ليست محررة ولا ما يحزنون ، وهي بهذا تكون أشبه ما تكون بالضفة المحررة او غزة المحررة .

لم يكن تصرف الجيش مع شباب الميدان بعد يومين على رحيل مبارك ، تصرفا مسؤولا يليق بشبان صنعوا انجازا كبيرا يليق ان تتم معاملتهم على أساسه ، بل في بعض المشاهد ، انهالوا عليهم بالعصي ، وكأن من نجح في إزاحة طاغية جثم على صدور الشعب ثلاثين عاما ، لا يستطيع الغاء لغة العصا من ايدي شرطته وعسكره وجنوده .

لماذا لا يكون الطنطاوي وسليمان وشفيق الذين يحكمون مصر اليوم جزءا من الفساد والخراب والدمار الذي لحق بمصر ، لماذا اذا لم يكونوا كذلك لم يتصدوا لزعيمهم ، بل لماذا وقفوا الى جانبه حتى آخر لحظة ، اللحظة التي قام هوشخصيا بتعيينهم في مناصبهم الاخيرة (قائد المجلس العسكري ، رئيس الحكومة ، ونائب رئيس الجمهورية) .

ربما كان هاتف ايهود بارك مع الطنطاوي ، هو الذي اثار الحفيظة من جديد ، وغيب البسمة عن وجوه الناس ، الامر الذي دفعهم للتوجه نحو الميدان في دعوة لمظاهرة مليونية جديدة الجمعة القادم.

المشهد في تونس أكثر وضوحا ، ربما لأنه قد مر شهر على ثورتها ، وليس يومان كما في مصر ، إذ ألقت الشرطة الايطالية القبض على نحو الف شاب تونسي هاجروا وطنهم الذي "تحرر" للتو ، في دلالة كافية ان الوطن رغم التحرير ما زال وطنا لا يحتمل .

" لا كورة نفعت ولا أونطة / ولا المناقشة وجدل بيزنطة" 11-2-2011

من لم يشعر بفرح الثورة المصرية ، سيخسر ، ومن لم ينبض قلبه مع نبضها فإن شرايينه ستتصلب أكثر مما هي متصلبة ، انها فرصة تسنح له مع ابناء امته مرة كل ثلاثين سنة لإلتقاطها ، فكم ثلاثين سنة في عمر الانسان ، وماذا اذا تخطى هذا الانسان خمسة عقود من عمره إن لم يكن أكثر . نحن هنا لا نتحدث عن انظمة الأمة الاثنين والعشرين ، بما في ذلك نظام الدولة الجديدة التي سترى النور قريبا في جنوب السودان ، فترفع امريكا نظام البشير من قائمة دعم الارهاب ، فهذه الانظمة معنية ببقاء النظام المصري ، أحد ابرز مقومات بقائها وتسّمرها في العرش ، فهو نظام ملكي وإن كان اسمه جمهوري ، كاد يورث نجله ، وهو نظام ديكتاتوري ، وإن كان اسمه ديمقراطي يجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية كل ست سنوات مرة ، وها هو يطوي في الحكم ثلاثين سنة رافضا التنحي عن آخر ستة أشهر . وهو نظام غني جدا ثروته بمئات المليارات ، رغم انه يتلقى المساعدات من أمريكا التي أغدقت على جيشه خلال ثلاثين سنة نحو خمسة وثلاثين مليارا ، أي نصف ما يملك وعائلته النووية ، في حين ان اربعة من وزرائه الذين تطولهم المساءلة يملكون اثنان وخمسون مليارا ، وهو نظام مرتبط باسرائيل التي ما زالت تحتل ارضا عربية في اكثر من دولة ، بما في ذلك ارضه هو التي تمنعه اسرائيل من تعزيز قوته الشرطية فيها بعدة مئات من الافراد رغم ادعائه انه حررها .

دعوة الفرح لعامة الناس ، ولبعض الاحزاب الطلائعية التي رفضت ان تكون جزءا من توليفة النظام في الوطن العربي ، فتنفضّ من حوله "الآن الآن وليس غدا" . نحن لا نتحدث عن احزاب المعارضة المصرية التي تجاوزتها دواليب الثورة ، بل عن أحزاب معارضة في بقية الانظمة التي تصمت اليوم صمتا مخيفا رغم ان انظمتها لا تتردد في الاعلان عن دعمها العلني للنظام الآيل ، احزاب حين تنطق مرة في الاسبوع في هذة العاصمة او تلك ، تقول انها مع الشعب المصري ومع اسقاط نظامه ، وكأن نظامـ (ها) في خير ودعة ، بعض هذه الاحزاب غيرت شعار الثورة المصرية من "الشعب يريد اسقاط النظام" الى شعار "الشعب يريد اسقاط الحكومة" و"الشعب يريد انهاء الانقسام" ... الخ .

أما أكاديميو الثورات ، الذين يسارعوا الى فتح كتبهم ودفاترهم العتيقة لمطابقتها على ما يحصل في مصر إن كانت ثورة ام لا ، فالافضل لهم التعاطي مع ثورة مصر التي فاقت كل الثورات في اصقاع الكوكب ، فهي ثورة تأتي في أعقاب ثورة شقيقة وسيتبعها ثورات اخرى بدون ادنى شك ، وما يمكن ان يؤخذ عليها انها شبابية ، فإنني اذكرهم بما تغنى به الشيخ امام قبل ما يزيد على ثلاثين عاما وكأنه ورفيق دربه وقيده أحمد فؤاد نجم قد تنبئآ به : رجعوا التلامذة ، يا عم حمزة ، للجد تاني/ يا مصر إنتي اللي باقية ، وانتي قطف الأماني/ لا كورة نفعت ولا أونطة/ ولا المناقشة وجدل بيزنطة / طلعوا التلامذة ورد الجناين / اسمع يا ميلص وشوف وعاين / ملعون أبوك ابن كلب خاين / يا صوت أميركا / يا أمريكاني .

الاثنين، 7 فبراير 2011

"بطارية حزبك فارغة " 7-2-2011

إذا كانت الدول تكبر وتشيخ فتهرم وتموت ، وفق ابن خلدون ، فما بالكم بالاحزاب . نسوق هذا للوقوف ولو قليلا مع ما يحصل لاحزاب عربية وطنية عريقة حكمت البلاد بعد ان قادت معارك تحررها من براثن الاستعمار واستولت على السلطة . و عندما سنحت الفرصة للجماهير ان تدكها وتشعل النار فيها سارعت بدون تردد ، وكأنها أحزاب اجنبية معادية ، وكأنها ليست هي التي قادت معارك التحرير في يوم من الايام .

لا يقتصر الامر على حزبي تونس ومصر ، حيث فاز الاخير قبل ثلاثة اشهر بأغلبية مقاعد مجلس الشعب الساحقة ، واليوم ينحون زعمائه عنه زعيما زعيما لتحاشي سقوط النظام برمته ، بمن فيهم نجل الزعيم ورجال بطانته ، وفي تونس قرروا حله مقدمة لإخراجه عن القانون من كثرة جرائمه .

فما هي هذه الجرائم لنرى ان كانت تنسحب على جميع احزاب امتنا العربية الحاكمة : القمع ومنع الحريات العامة والخاصة ، والامساك على السلطة حتى الموت ثم بعد ذلك توريثها للابناء على قاعدة "هذا الشبل من ذاك الاسد" ، موالاة وتبعية مذلة لأمريكا وحلفائها وعلى رأس هؤلاء اسرائيل ، وتمويت الناس جوعا وفقرا ومرضا ، في وقت تلامس ثروات النظام الارقام الفلكية .

والسؤال المترتب على ذلك هو : من هو النظام العربي الذي يشكل حالة إستثناء؟

واهم من يعتقد ان المسألة مقتصرة على الاحزاب الحاكمة ، فهناك احزاب في المعارضات الوطنية والتقدمية والدينية تحكم بما يوازي سوء الحزب الحاكم واكثر ، كالاحزاب التي وافقت ان تكون موالية للنظام وتتنفس من رئتيه زفيرا كريها ، في مصر سارعت هذه الاحزاب لدعوة الحوار مع ازلام النظام ، بدءا من حزب الوفد "التاريخي" ، مرورا بحزب التجمع "التقدمي" ، وانتهاء بحزب الاخوان "الديني" ، دون ان ترى في ذلك خذلانا للجماهير المحتشدة في الميدان والتي فجرت الثورة ، وهي لربما لا تدرك في حقيقة ذاتها ان الثورة المستعرة ضد النظام انها تطولهم لانهم جزء من هذا النظام وتوليفته وأدواته ، و لأن معارضة هذه الاحزاب على مدار ثلاثين سنة واكثر ، لم تكن مهمتها الحقيقية اسقاط النظام .

كيف يمكن لحزب معارض مطالبة الحزب الحاكم بالديمقراطية ، وهو نفسه يفتقد اليها ، لدينا في فلسطين (الثورة والسلطة) احزاب معارضة يتربع الامين العام على رأسها منذ اربعين سنة واكثر ، اي اكثر من بن علي ومن مبارك . كثيرون قالوا ان اقبال الشعب الفلسطيني وتصويته لحركة حماس في الانتخابات التشريعية كان نكاية بفتح اكثر منه ايمانا بحماس وبرنامجها ،و بدلا من ان تراجع فتح ذاتها ، وتعيد حماس حساباتها ، اصبحنا الآن امام نظامين حاكمين .

***** ****** *****

حرك بيت العقرب تخرج مكرهة .... بطارية حزبك فارغة ..... وكنت تفرغ شحنتنا الثورية .....وذلك حزب يتخوزق مختارا لا اكراه ولا بطيخ بمحض ارادته (مظفر النواب) .

السبت، 5 فبراير 2011

مراهنات مبارك 31-1-2011

يراهن الرئيس المصري على بقائه في السدة على اجهزة الأمن ، خاصة بعد ان أقال حكومته وعين وزيرا فيها رئيسا لها ، وبعد ان اسند منصب نائب الرئيس لمديرها ، ولكن ليس هذا كل شيء ، فهناك المؤسسة الدينية المتمثلة في الازهر ، فهي لدى البعض البسيط من الشعب المصري ما زالت التي تمثل وتجسد شرع الله في مصر وما هو أبعد من مصر، وهناك اسرائيل التي خدمها كما لم يفعل أحد ، وانها لن تتخلى عنه في معركته الاخيرة ، وانه من كل بد سمع منها ما يسر أذنه ، بالرغم من حالة التكتيم التي طلبها نتنياهو من اركان حكومته ، الا أنها (اسرائيل) اعربت عن غضبها من الموقف الامريكي الذي بدأ ينحسم ضده ، وانها زودته بثلاث طائرات محملة بمعدات قمع المظاهرات وقنص قادتها ، وهي لها باع طويل في ذلك ، وتعد السباقة في هذا المجال ، ونذكر كيف ان رابين عندما كان وزيرا لدفاعها ابان انتفاضة الحجارة ، اوعز بصناعة مدفع خاص لقذف الحصى على المتظاهرين ، وتفتق ذهنة بكسر عظام الفتيان كي يغيبهم عن الشوارع اطول مدة ممكنة ، فتطلب الامر ان ينشيء مصانع لصناعة العصي ، بم بعد ذلك الرصاص المطاطي والبلاستيكي ... الخ .

وبدون شك فإن مبارك يراهن ايضا على عدد من زملائه ونظرائه العرب ، الذين سارعوا للاتصال به ، معربين له عن مساندته ، ووضع ما يريد من مقدراتهم تحت تصرفه ، تماما كما فعلوا مع طاغية تونس "زين العرب" ، وهو بدون شك يدرك ان وقوف هؤلاء معه بالباع والذراع ، كما يقال ، ليس من أجله واجل مصر ، بل في المقام الاول من أجلهم هم ومصالحهم وعروشهم التي بدأت تتداعى ، وسيؤثر عليهم ذهابه تأثيرا مباشرا وسريعا ، لأنها أصلا انظمة منخورة ضعيفة مهزوزة اذا ما قورنت بنظامه الذي طوع الناس وجوعهم على مدار ثلاثين سنة دون ان تسمع أنة واحدة ، ووصل الامر ان يطوع احزاب المعارضة ويجعلها تخوض الانتخابات وتحصل على نسبة قريبة من الصفر ، بل لقد طوع الثورة الفلسطينية بيمينها ويسارها ، واصبح البعض منها يكنيه بالرئيس المبارك حسني مبارك .

و بينما نشاهد دباباته ومجنزراته تجوب الشوارع مكتوب عليها "يسقط مبارك" ، تذكرت حادثة حصلت مطلع انتفاضة الاقصى قبل حوالي عشر سنوات ، مظاهرة في مخيم الدهيشة أحضر فيها حمار وكتب عليه "مبارك" ، وهو امر فعله المخيم مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عندما كان في زيارته قبل حوالي خمس واربعين سنة .

يومها انتشرت الاجهزة الأمنية على المحطات المحلية تريد كاسيت التصوير الذي سجل للحمار ، وكانها تريد ان تثبت ولاءها للرئيس مبارك . اليوم دباباته تريد ان تتخلص من هذا الولاء العار .

واطلق كلابك في الشوارع " 4-2-2011

لا ندعي اننا نستطيع الالمام بكل الاساليب الدهاليزية القمعية التي استخدمها ازلام النظام في ميدان التحرير لإعادة السيطرة عليه ، والذين تم التوافق على اطلاق اسم "البلطجية" عليهم ، فهؤلاء عدا عن انهم امتلكوا خبرة ثلاثين سنة في تفانين القمع ، فإنهم ايضا امتلكوا تكنولوجيا النت والفيس بوك والبلاك بيري ، وغادروا الاساليب القديمة التي كان يجلس فيها رجل الامن على احدى النواصي حاملا جريدته المثقوبة ليراقب فريسته .

ومع ذلك فانهم في ميدان التحرير كانوا ايضا مكشوفين بـ"جريدتهم المثقوبة" ، فمن هي الجهة التي تملك مهاجمة عشرات آلاف المعتصمين في ساعة صفر محددة بآلاف قنابل المولوتوف والهراوات والسكاكين غير الدولة ، ومن هي الجهة التي لها مصلحة في مثل هذا الهجوم المخزي على اناس ابرياء من كافة الاعمار لا يملكون الا حناجرهم وارادتهم بصدور عارية ومعد خاوية وبعض البطانيات يقون فيها انفسهم من برد ليالي القاهرة الشديد الا دهاليز النظام .

سمعنا بالطبع عمن تم القبض عليهم ان بعضهم يحمل بطاقات رجال أمن ، وان بعضهم تم استحضارة بخمسين جنيها قام احدهم بتمزيقها لدى معاتبته ، وان بعضهم "اضطر" على ما يبدو في آخر المطاف الى ان يستل مسدسه ويطلق النار كيفما اتفق فيقتل ثلاثة ويصيب العشرات .

في النهاية ، اعتذر رئيس الوزراء الجديد للنظام القديم عن هذه البلطجة ، ووعد بتشكيل لجنة تحقيق في كل من تورط في هذا الهجوم ونشر النتائج على الملأ في القريب العاجل ، وهذه اسطوانة مشروخة لكل الانطمة العربية التي تسارع بتقديم مثل هذا الوعد عندما تجد نفسها مجبرة او متورطة ، دون ان يتحقق شيئا منها ، ولكن وعد رئيس الوزراء بعدم تكرار ذلك على ميدان التحرير ، لم يكد صداه يتبدد حتى طال الهجوم هذه المرة كافة الصحفيين والاعلاميين والكاميرات ايا كان حجمها ، والمرة لم يقتصر الامر على حجب الجزيرة ، بل تعداه للقنوات المحايدة والصديقة والعريقة ، الامر الذي دفع ببان كي مون ان يصف الاجراء بالمعيب .

سدوا جميع منافذ الميدان على عدة أبعاد لمنع الناس من الوصول في "جمعة الرحيل" واعتقلوا اعداد كبيرة ممن لهم اسماء على كمبيوتر امن النظام ، بما في ذلك حقوقيين ومحامين ، كل ذلك في ظل فرض نظام منع التجول الذي ما يزال قائما منذ اندلاع الثورة ، التي وصفها الناطق عندنا يإسم المؤسسة الامنية اللواء عدنان الضميري بانها "أزمة" ثم عدل ذلك الى "تنازع اقليمي" .

الاخوان البلطجيون يسيطرون على الحكومة والقصر والشرطة والاعلام والجيش وكل مقدرات البلد ، ما عدا ميدان التحرير ، ولهذا يبذلون كل ما بوسعهم من أجل استعادته ، حتى لو استعملوا في ذلك ادوات قديمة مثل السيف و الخيل والابل .



رحم الله الشيخ امام الذي كان قد كشفهم قبل اكثر من ثلاثين سنة ، اي قبل ان يأتي حسني مبارك عندما غنى للشاعر الكبير احمد فؤاد نجم : شيد قصورك ع المزارع / من كدّنا وعمل ايدينا / والخمارات جنب المصانع / والسجن مطرح الجنينة / واطلق كلابك في الشوارع / واغلق زنازينك علينا / وعرفنا مين سبب جراحنا / وعرفنا روحنا والتقينا / عمال وفلاحين وطلبة / دقت ساعتنا وابتدينا / نسلك طريق مالهش راجع / والنصر قرب من عيننا / النصر قرب من ايدينا

السبت، 29 يناير 2011

شمس عربية تشرق علينا من غرب الوطن

تشارف الفترة الاكثر برودة في شتاء الامة العربية والتي يسميها الفلاحون بالاربعينية على الانتهاء ، وهي التي تمتد من 20 كانون اول حتى نهاية كانون ثاني ، وهي في هذا العام لم تكن باردة على الاطلاق .

لا أحد يستطيع انكار مخاضات الامة الساعية منذ عقود وقرون ان تنهض بنفسها نحو الحرية الحقيقية من براثن الجوع والبرد والفقر والمرض مجبولة كلها في خلطة عجيبة من الذل والهوان والصغار ، و وصل بالبعض الاعتداء عليها جملة ومفرقا ، ويقتص من ارضها ويهيمن على ثرواتها ويستعبد انسانها ويدنس مقدساتها ويمسح تاريخها ويبدد امالها في مستقبل حتى لو كان بعيدا .

شمس هذه الامة تستطع هذه الايام من جديد على كافة ارجائها ، متزامنة مع أشد الفترات برودة وصقيعا ، وتأتي من تونس الخضراء فلبنان الكبير رغم صغر مساحته ، فمصرالعظيمة التي يبدو انها تريد استعادة دورها كأم للدنيا ، واليمن السعيد ، والذي أصبح من اكثر دول العالم تعاسة وبؤسا ،

الجزائر الاردن السودان ، ونميل للاعتقاد انه مع مرور هذا العام تكون شعوب هذه الامة قد نفضت الكثير مما تراكم علي كاهلها من غبارالسنين وهوانها على يد وكلاء الاستعمار قديمه وحديثه ، بحيث لن يستطيع طاغية مهما اوتي من قوة بطشية ، محلية واجنبية ، فإنه لن يستطيع خداع شعوب العالم لا ولا حتى حكوماته التي تتغنى بالديمقراطية والتحضر .

هل أحد راقب كيف تعاطت امريكا مع بن علي "زين العرب" قبل الخلع وبعده ، وهل لا حظنا كيف يرفض الشعب التونسي البدائل المطروحة رغم مرور اسبوعين على فراره .

وهل رأينا كيف انقلب الحكم في لبنان بدون قطرة دم واحدة ومن خلال مؤسسات الدولة دون ان تتمكن الدول العاتية من ادانة ما حصل .

لا أبالغ إذا قلت لكم ان اشعة الشمس العربية القادمة الينا من مواقع الفقر والبؤس العربي قد وصلت الي ، انا احد اللاجئين الفلسطينيين ، كان ذلك بفضل ما تم الكشف عنه من محاضر لقاءات مع اسرائيل ، وبعيدا عن اي مناكفات بين السلطة والجزيرة ، بين فتح الحاكمة في الضفة وحماس الحاكمة في غزة ، فإن النشر يجب ان يقوي من شكيمتنا ، ويدفعنا الى مراجعة اوراقنا ومواقفنا وحتى محاضر لقاءاتنا مع العدو ، فإنني اكثر اطمئنانا إزاء حق عودتنا ، على الاقل من باب انه لن يكون هناك مساوم واحد على هذا الحق ، رغم ما نشر من عودة بضعة الاف سنويا ، وبرغم رد ليفني الليبرالية من ان العدد المسموح بعودته هو صفر .

لم أكن مستعجلا على عودتي الى وطني ، لا ولا أبي كان كذلك . جدي كان مستعجلا ، لم يكن يقرأ ولا يكتب ، وكان دائم الصلاة والدعاء ، للدرجة التي كان يذهب كل يوم جمعة الى سلوان لكي يتوضأ من مياه قناة فيها تدعى عين سلوان مشيا على الاقدام ومات بعد اقل من 15 سنة على لجوئه دون ان يعود الى شجرة جميزته . بموته لم يمت حقنا في العودة .

الاثنين، 24 يناير 2011

"حين يأكل قط ما يشبع عائلة في عدن"

ليس اسوأ من مسؤول عربي يخرج علينا ليبدي قلقه إزاء الوضع المتفجر في قطر عربي آخر متجاهلا ما يمر به قطره ، فيظهر بمظهر المصلح الحريص على القطر الآخر عملا بالحديث الشريف "اذا اشتكى منه عضو ، تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى" وبمظهر القوي المكين السليم إزاء اوضاع شعبه ووطنه من انه بدون ادنى شائبة .

فترى المصري يبدي قلقه على الوضع اللبناني ، واللبناني يقلق على اليمني واليمني على الفلسطيني والفلسطيني على السوداني والسوداني على الجزائري والجزائري على الصومالي والصومالي على العراقي والعراقي على الليبي والليبي على السعودي والسعودي على القطري والقطري على التونسي ... الخ ، وربما تجد نظاما يمتد قلقه ليطول أكثر من قطر في الوقت ذاته ، متصورا انه أب الجميع بحكم سنه او ماله او كبرعدد سكانه او وسع مساحته ، في حين ان المياه تتسرب من تحت أقدامه ، تماما كما تسربت من تحت اقدام بن علي .

المتطلع للوطن العربي من محيطه الى خليجه ، يراه مرجلا يغلي ، يصهر كل ما يطوله فوه ، وتكاد مواده المنصهرة تفيض الى ما حوله فتحرق الاخضر واليابس ، وتكاد رائحته الخانقة تقتل البشر والشجر .

فالديمقراطية شبه معدومة في هذا الوطن ، وحين يكون هناك جانبا محدودا منها يتمثل في اجراءات شكلية موسمية كإجراء انتخابات ، اما يكون جوهرها طائفيا ، او مزورة ، او محدودة لا تمس هرم القطر . وما بين كل دورة ودورة لا تحقق الجماهير هدفا واحدا من هذه الانتخابات ، ولهذا اصبحت تعزف عنها ، وفي بقية ايام السنوات ما بين الانتخابات ، يقمع المواطن العربي قمعا مشينا ، بل ويمنع من حرية التعبير عن رأيه ومعتقده ، وتتدخل أجهزة الامن في خصوصياته بما في ذلك لباسه( حجاب المرأة وبنطلونها) وقصة شعره ، ولا يسمح له بالتظاهر والاعتصام والاحتجاج ، ولا حتى الهتاف لفريقه حين يفوز في كرة القدم ، فماذا تراه يفعل بعد ذلك . يكظم غيظه ، وينطوي على نفسه ، من الدار للشغل ومن الشغل للدار ، وكما يقول البعض " من الفرشة للورشة" ، ولكن ماذا يفعل اذا لم تكن هذه الورشة سوى مستوطنة ، كما يحصل مع العمال الفلسطينيين ، او عملا اسودا ، لا يتناسب مع ما حصله المواطن من تحصيل علمي ، فماذا اذا لم تتوفر تلك الورشة من أصله ، فيقول في ذاتيته : رضينا بالذل ولكن الذل لم يرض بنا .

فماذا بعدها اذا ارتفعت اسعار المواد الاساسية دفعة واحدة ، وماذا اذا رأى مسؤوليه يغرقون في الفساد و ينفقون ببذخ لا يوصف ، وكما قال الشاعر "يأكل قط ما يشبع عائلة في عدن" . حينها سيخرج المسؤول هذه المرة ليبدي قلقه عليهم ، فيقول لهم كما قال زين العابدين بن علي : فهمتكم . لكن حينها كانت قد احترقت تونس .

الاثنين، 17 يناير 2011

"بالصمغ هذي الدمى الوطنية واقفة"

قال الشرطي للخريج الجامعي العاطل عن العمل وهو يبيع الخضار على عربته : غادر الساحة ، فهبت الجماهير تقول لزعيمها : انت من يجب عليك مغادرتها ، فغادراها الاثنان ، واحد الى المجد والخلود ، والآخر الى مزبلة التاريخ .

ليس هناك من شيء ، اي شيء ، استطاع حمايته وزمرته من غضبة الشعب ، لا ولا أجهزته الامنية والعسكرية والدبلوماسية والحزبية والاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة ، لا ولا سجونه واسلحته ودباباته وطياراته وأمواله ، لا ولا علاقاته وتحالفاته الداخلية والخارجية العلنية والسرية مع الشمال والجنوب والشرق والغرب وما بينهما (اسرائيل) ، وعندما فر بريشه بالكاد أخذ معه افراد عائلته ، ووجد الجميع يتنصلون منه وكأنه فأر أجرب ، وحامت طائرته ، التي من حق الشعب استعادتها ومعها المليارات التي كان قد هربّها ، حامت ساعات قبل ان تشفق عليه دولة مملكة مشترطة عليه ان لا يكون معه اموال وان يجلس ساكتا .

لا يقتصر هذا على طاغية تونس ، بل ان معظم زعماء الامة ينطبق عليهم ما انطبق عليه بدرجات متفاوتة ، خاصة في موضوع الحريات والحقوق والديمقراطية ، ولهذا لم يكن بينهم زعيما واحدا غادر السلطة خلال الستين سنة الماضية ، بإستثنائه ، ومن افتقده الله ، وكان كما كلنا نعرف ، قد رتب توريثها لإبنه .

هل هناك من يشك في ان الزعيم الفلاني او العلاني سيترك السلطة مع نهاية ما يسمى بدورته الدستورية دون ان يورثها لإبنه ، او دون ان يدستر مادة جديدة تقضي بأن يحكم مدى الحياة . وحين يكون هناك تدخلا ربانيا مفاجئا يتم تعديل الدستور لينطبق على ابنه او اخيه او عمه .

واهم وحالم من يعتقد ان الزعيم العربي ، سيتعظ من الدرس التونسي ، فقد سبق ان كانت هناك دروس ابلغ رغم انها لم تكن بوطأة النظام العربي ، مثل شاه ايران و شاوشيسكو وبينوشيت ، وهي حالات خلع حدثت في الزمن القريب ، لكنا بدلا من ان نرى اتعاظا ، رأينا توغلا وتعمقا في التمسك بالحكم حتى الموت وما بعد الموت ، وبهذا ما زالت الشعوب المحكومة ترى صور الزعيم الراحل تملأ الساحات والشوارع والمرافق ، وكأنه كان بطلا فذا وقائدا عظيما ، وفي الحقيقة لم يكن اكثر من طاغية تونس ، وأداة في يد امريكا واسرائيل .

في السودان ، يضحي القائد الملهم بنصف الوطن من اجل ان يبقى الحاكم ، وفي لبنان "الديمقراطي" يضع الحاكم مصلحته ومصلحة ابيه الذي قتل قبل ست سنوات ، على مصلحة الوطن والشعب ، وفي اليمن تساءلت عن الرئيس إن كان بدون ابناء بعد ان أعلن انه سيظل رئيسا مدى الحياة .

الحاكم الأخير المخلوع ، ليس الا نسخة عن الحاكم العربي ، وقد تكون نسخة محسنة ، على الاقل لا يظهر في المسجد كل جمعة فتدوشنا وسائل اعلامه بهذا الظهور الايماني ، لا يحمل عصا يلوح بها في السراء والضراء ، لا يجلد المرأة في الشوارع بحكم الشرع ، لا يحظر على المرأة قيادة السيارة ويجبرها حين تكون محامية ان لا تلبس البنطلون تحت الزي القضائي ، لم يحكم كما حكموا ثلاثين سنة فأكثر . وعليه فإن الطاغية المخلوع لن يكن الاخير ، فهم كما لاحظنا ووفق الشاعر الكبير مظفر النواب : "بالدبابيس والصمغ هذي الدمى الوطنية واقفة / قربوا النار منها / لا تخدعوا انها تتغير / لا يتغير منها سوى الاغلفة ."

الجمعة، 14 يناير 2011

معادلة عن الاحتلال والتهدئة

اتصل رئيس وزراء حكومة غزة بمدير المخابرات المصري ليطلعه على اجراءات التهدئة العملية بما في ذلك اوامره لقادة الامن ونشر القوات على المناطق المتتاخمة مع اسرائيل ، وهو طبعا يعرف ان ذلك سيتم نقله لها ، هذا إذا لم يكن تلفونه مراقبا فتستطيع اسرائيل التقاط الرسالة .

ولا داعي للتذكير ان حماس تتحكم في غزة اليوم شعبا وحكومة وفصائل ، وان دعوتها لتلك الفصائل قبل ايام من أجل ما اسمته التوافق الوطني حول الالتزام بالتهدئة من أجل مصلحة الوطن العليا ، هو كلام قد سمعناه نحن ابناء هذا الشعب من قبل ، وان الذي كان يخرج عن القرار يتعرض للملاحقة والاعتقال وأحيانا التخوين . ولهذا تم نشر القوات الوطنية عند التخوم لمنع العملاء والخارجين عن الصف الوطني من اطلاق "الصواريخ" على اسرائيل .

ما نود التذكير به ان اسرائيل هذه ، بالاضافة الى انها العدوان لأنها الاحتلال ، انما لا ينفع معها التهدئة ولا الهدنة ولا حتى اتفاقيات السلام الدولية مثل اتفاقية اوسلو ، وانها ستهاجم غزة وحماس وستدمر معها أسلحتها التي اعدتها قبل ان تستخدمها ، ببساطة لأن إشارة الحرب صدرت لتوها من دهاليز السياسة العالمية ، ولأن الاسطول الامريكي ومعه الفرنسي قد بدءا بالتململ في المتوسط بدعوى منع حزب الله من الاستيلاء على البلد ، فما الذي يمنع الايعاز لاسرائيل تقليم أظافرحماس في غزة .

ألم يكن تهدئة عندما شنت اسرائيل حربها على غزة قبل عامين ، ألم تكن هناك اتفاقية سلام عندما اعادت احتلال الضفة وتدمير جميع البنى التحتية بما في ذلك المطار والميناء والمقرات الامنية والشرطية ومحاصرة ياسر عرفات في مقره حتى موته ، ألم تتغول اسرائيل أكثر فأكثر في استيطان الضفة وتهويد القدس رغم التهدئة شبه المطلقة ، للدرجة التي رفضت المفاوضات مقابل تجميد مؤقت لهذا الاستيطان . وبدلا من الاتعاظ من هذه العقلية العسكريتارية التدميرية للوطن الفلسطيني بجناحية الضفاوي والغزاوي ، ذهبنا اعمق فأعمق نحو التربع على كراسي الدولة الموهومة وأجهزة الامن بقادتها والقوات المسلحة ، اصبح لنا دولتان وحكومتان وسجون عديدة لزج المناضلين من الطرفين فيها ، وها هي حكومة غزة تعلن عن البدء ببناء سجن كبير شمالي القطاع "من اجل الوعظ والارشاد ويكون قريبا من ذوي المسجونين كي يزوروهم بسهولة" في الوقت الذي ما زال البعض يفترش الارض ويلتحف الخيام .

هادنتم أم لا ، هدّأتم ام لا ، قمعتم ومنعتم ونشرتم وطاردتم واعتقلتم ، فإن قرار شن الحرب التي لم تتوقف قد صدر ، بل هو موجود في درج رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي والسابق واللاحق ، لأن المستهدف ليس بندقيتكم ولا مقذوفاتكم بل وجودنا وبقاءنا هو المستهدف . اليس هذا ما يحصل في سلوان والشيخ جراح وحتى صفد (منع تأجير الفلسطينيين) وام الفحم (محاولة تبديلهم بمستوطنين) وبئر السبع (هدم قرية العراقيب سبع مرات) وكل تهدئة وحكوماتكم بخير .

الاثنين، 10 يناير 2011

معادلة مواطن أكثر منها أوطان 10-1-2011

استغرق الشعب الجزائري لإدراك ان التحرر السياسي لا يغنيه عن الخبز خمسين سنة ، وكذا الحال مع الشعب التونسي والسوداني واليمني وبقية شعوب هذه الامة ، بل وكل شعوب العالم الثالث التي ابتليت بجملة من الاستعمارت قديمها وحديثها ، التي نهبت خيراتها ، ووجدت نفسها امام المقاومة الشعبية والوطنية مضطرة للانسحاب والخروج من الباب ، لكنها بعد ذلك عادت لتقفز من الشباك ، بمساعدة من وكلائها وسماسرتها المحليين واحيانا الوطنيين الذين أسهموا في مقاومتها في يوم من الايام .

لقد اثبتت هذه الشعوب ان بإمكانها غض الطرف عن موضوعة التحرر الاجتماعي والمساواة والعدل والحريات والديمقراطيات ، لو أنها لم تقترن بالجوع والفقر والبطالة والمرض ، فهذه حاجات رئيسية لا يستطيع الكائن الحي الاستغناء عنها ، خاصة عندما يرى نخبة الوطن تعاني من التخمة ، وتضيق بأموالهم بنوكهم الوطنية ، فيصل الامر بخريج جامعي تونسي ، ان يقدم على إشعال النار في نفسه ، بعد ان منعته الشرطة من ممارسة بيع البندورة من على عربة لكي يقيت نفسه وأمه .

في مواطن اخرى ، وهي مفردة أقرب للدقة من كلمة الاوطان ، ينتحرون بالجملة ، مثل موجات الهجرات الى الشمال الاوروبي ، فيموتون إما غرقا واما قنصا ، كما يحدث مع الاريتيريين والسودانيين عبر سيناء ، او ما طالب به العقيد القذافي من الاتحاد الاوروبي مؤخرا لدفع خمسة مليارات دولار مقابل التصدي لهؤلاء المهاجرين عبر حدوده .

في الجزائر ، التي قدمت مليون شهيد من اجل طرد الاستعمار الفرنسي ، قدمت ضعفهم هجروا الوطن المحرر الى البلد المستعمر ، وتفيد الكاتبة الجزائرية احلام مستغنمي ، ان الجزائريين يصطفون في طوابير للحصول على التأشيرات من السفارة الفرنسية ، ونتيجة اليأس والاحباط ، تجد في الشارع ما بين كل مسجد ومسجد بارا ، او بين كل بار وبار مسجدا ، ففيهما يعتقد المحبط خلاصه .

في كل هبة شعبية ، يقدم النظام مسكنا ، كما مع إقالة اربع وزراء في تونس ، او تخفيض الاسعار ووقف الضرائب لعدة أشهر في الجزائر ، لكن هذه المسكنات سرعان ما يزول اثرها ، او تصبح بلا مفعول .

جنوب السودان برمته قرر الانتحار بطريقته الخاصة بالانفصال عن هذا الوطن الكاذب ، وكأن الشمال يعيش الرخاء والازدهار ، حتى المواطن العربية التي لها اوضاع اقتصادية مستقرة ، لا يشعر فيها مواطنها بأكثر مما تشعر القطعان : مأكل ومرعى ، نصف شعوبها (المرأة) تأكلها مرارة قسوة الانسان بحق اخته الانسانة ، تجلد في الشوارع لأنها تلبس بنطلون ، وتمنع من قيادة السيارة ، ويطلب اليها ارضاع زميلها ، واخيرا يشرع للذكر زواجا جديدا اسمه زواج النهار ، بعد المسيار والمسفار والمتعة .

عن اطلاق سراح المضربين عن الطعام 7-1-2011

بإطلاق معتقلي حماس الستة المضربين عن الطعام ، نكون قد تجاوزنا محنة خطيرة كادت لو استمرت ان تعمق اساءاتنا لبعضنا البعض لو توفي احدهم او اكثر لا سمح الله ، ونحن لابد من استيعاب درس كبير ازاء هذه المحنة ، والتعلم ليس مقتصرا على المحتجزين ، بكسر الجيم ، فقط ، بل على الذين تاجروا بآلام المحتجزين ، والترويج ان احدهم قد مات سريريا ، غير مدركين ان هذا الترويج قد تجاوز الام والاب والعائله ليطولنا جميعنا وجعلنا نتوجس خيفة ولعنة لهذا الواقع الذي وصلنا اليه .

حين تم احتجاز أحمد سعدات قبل حوالي ثماني سنوات ، قال ياسر عرفات ان سعدات ليس معتقلا لديه ، بل ضيفا عنده ، ولكن ها هو سعدات يقضي الآن حكما بالسجن الفعلي ثلاثين عاما ، في حين أرسل ياسر عرفات الى القبر ، وكان يجب ان تشكل الحادثة درسا يتطلب من الجميع قراءته بتمعن ، خاصة وان اسرائيل ذهبت لاختطاف سعدات ومعه العشرات من السجن الفلسطيني بالحماية الامريكية البريطانية .

اننا ونحن نثني على مبادرة الامير القطري ، واستجابة الرئيس الفلسطيني ، اطلاق سراح هؤلاء ، وتجنيبنا وتاريخنا الذي نصنعه بأيدينا ، محنة خطيرة ، نربأ الاتجار بنا وبعذاباتنا ، بغض النظر عمن يحكمنا ، وبغض النظر ان كان حزبا كبيرا او حتى منتخبا ، فالعودة الى الجماهير ستتطلب ان تكون مثل هذا الممارسات حاضرة في يوم الانتخاب وفي البرامج الانتخابية .

ها هي اسرائيل ، لا يوجد عندها اي معتقل اسرائيلي على خلفية سياسية ولا حتى امنية ، بمن في ذلك الجنود الذي قتلوا ابرياء فلسطينيين ، او عتاة المستوطنين بمن فيهم الذي دهم الطفل من سلوان بسيارته ، وحتى المجرم الضابط الحاخام باروخ جولدشتاين ، الذي قتل العشرات في الحرم الابراهيمي بالخليل وهم ركعا سجدا بين يدي خالقهم ، وقال فيه رابين انه اشعره بالعار مرتين ، مرة لأنه يهودي ومرة لأنه ضابط ، اقامت له دولته نصبا تذكاريا على مدخل كريات اربع .

إن كل التبريرات التي أسمعت هنا وهناك ، ما كانت لتصمد ، وما كانت لتستقيم لدى شعب راكم كما هائلا من الاعتقال والتعذيب والاضراب ، وقلما ظل هناك عائلة فلسطينية واحدة لم تتذوقه ولم تنهل منه ، فأستسغناه ، ليس لأن له طعما انسانيا واحدا في كل أصقاع العالم ، بل لأننا كنا نعرف انه بدونه لن يزول هذا الاحتلال .

والسؤال ، هل فعلا سيعبد اطلاق هؤلاء الطريق امام المصالحة ، ام ان الموضوع كان ذريعة ، ويجري البحث عن بديل لها .

كيلو تي أن تي لكل قبطي 3-1-2011

أيا كانت الدوافع التي ربضت وراء تفجير كنيسة الاقباط في الاسكندرية ، فهي ليست من الدوافع الانسانية على الاطلاق ، وكنا نتمنى ان يكون التطور البيولوجي الدارويني قد توقف عند حدوده الحيوانية لكي لا نصل الى هذه الجرائم ودوافعها المعلنة وغير المعلنة التي يأنف الحيوان ارتكابها ضد اخيه الحيوان ، خاصة حين يكون المستهدف اناثه الضعاف وصغاره اليفّع . فما بالك حين يكونوا بين يدي خالقهم يتجلون .

يكاد يكون الحزن الذي ضرب قلوبنا كبيرا الى حد أنه يفوق حزن الزعيم الديني والزعيم السياسي بمن فيهم البابا ، ليس لأن الاقباط من نفس جلدتنا العربية المصرية ، ولا لأنهم مع أخوتنا السريان والآرامايين والكلدانيين يشكلون خلية حضارية متقدمة في النسيج الكنعاني العريق ، فحسب ، بل لآنهم قبل كل شيء آدمييون ، أعدمت حياتهم وأزهقت ارواحهم فقط لأنهم ذهبوا الى الكنيسة ذاك المساء فما عادوا الى البيت ولا الى الحياة .

فما المعنى الذي يفيده إلاغراق في تفنيد وتفسير دوافع هذا الاعدام الجماعي الرهيب ، والجهة التي تقف وراءه ، والتي على ما يبدو ، كانت ضليعة ومتمكنة وذات تخطيط وتنفيذ عالي التمكن ، والحديث هنا لا يدور عن مئة كيلو من مادة التي أن تي ، بمعدل كيلو لكل قبطي من القتلى والجرحى ، بل على تنفيذ المجزرة في الساعات الاولى من العام الميلادي الجديد ، الذي يحل علينا كلنا بغض النظر عن هوياتنا الدينية المختلفة ، فيفسده علينا شر إفساد ، ويجعلنا نفيق من النوم نلعن اليوم والساعة التي نبدأ فيهما عامنا الجديد ونحن نرى كل هذا الشر المستطير وكل هذه الجثث المتناثرة في شوارع الاسكندرية الجميلة .

حتى لوكانت القاعدة ، فإن هناك أطراف اخرى وراءها ، لا تريد لنا كأمة ان نبدأ سنتنا الجديدة ونحن متفائلون بها ، فالتفاؤل صحة كما يقول البعض ، والتشاؤم والانطواء داء خطير اذا ما اصاب الشعوب والامم فانها تحتاج الى وقت طويل كي تنفض غباره وآثاره التدميرية .

وحتى لو لم يكن هناك من يقف خلف القاعدة ، التي كانت قد هددت بوضوح استهداف كنائس مصر العظيمة ، فإنه من المحظور ان تنجح في ادعاء تمثيل الاسلام ، لأن يديها ملطخة بدم سريان العراق ، وتمثال بوذا في افغانستان ، الذي تم ردمه بشكل رسمي من قبل الحكومة قبل كا يزيد على عشر سنوات .

هل كل هذا حقيقة بإسم الاسلام ، وبتوكيل من رب العالمين ؟

قبل أيام ، اقدم نظام البشير بإسم الاسلام والشريعة على جلد امرأة لأنها ترتدي بنطلونا ، في حين تتهمه وثائق ويكليكس بإختلاس تسعة مليارات دولار من مال الشعب الذي يرزح تحت الفقر والجوع ، في شمال السودان وجنوبه وغربه ، فرأت أمريكا ان "الحل" يكمن في الانفصال ، لا في جلد البشير ، تماما كما رأى البعض القبطي في ان "الحل" هو في الهجوم على المساجد وتحطيم سيارة شيخ الازهر الذي جاء مواسيا ومعزيا ، مع ان الحل يكمن في التوحد لمحاصرة هذا الارهاب ومواجهته مقدمة لسحقه .

ليبرمان أصدق من يمثل الاسرائيليين حكومة وشعبا 27-12-2010

لو جاءت تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي أفغدور ليبرمان الاخيرة التي تصف القيادة التركية بأنها كاذبة ، وان مطالبتها اسرائيل بالاعتذار عما ارتكبته بحق سفينتها مرمرة بأنها وقحة ، وان على تركيا ان تبادر بالاعتذار لاسرائيل ، لو جاءت هذه التصريحات عبر الويكليكس ، ربما لتعاطى معها الرأي العام بطريقة مختلفة ولكان تفاعله معها أكثر ديناميكية وحيوية ، بما في ذلك المجتمع الاسرائيلي الذي سيشعر بوقع عارها عليه ، فليس هناك ما يدعو لوصف اردوغان ووزير خارجيته بالكذابين لمجرد انهما يطالبان اسرائيل بالاعتذار ، على الاقل لم يفعلا ما فعله ليبرمان بالسفير التركي واستدعائه بسبب مسلسل وتعريضه للإهانة المبتذلة وجعله ينتظر نصف ساعة على الباب قبل ان يسمحوا له بالدخول وإجلاسه على مقعد هابط عن مستوى مقاعدهم وإحضار شاي للجميع بإستثنائه .

لم تكن وقتها سفينة مرمرة قد أبحرت بعد ، ولم يكن قد تم اختطافها من المياه الدولية وقتل تسعة من أفرادها ، و احتجازها على مدار سبعة اشهر . وإذا كان الطلب التركي وقاحة من وجهة نظر مسؤول الدبلوماسية في اسرائيل ، فما الذي يمكن اطلاقه على جملة الافعال التي ارتكبت بحق تلك السفينة ، التي لم تفك اسرائيل اسرها الا قبل يومين فقط .

التصريحات الاخيرة للوزير اياه ترافقت بهجوم شديد على السلطة الفلسطينية ، من باب انها غير شرعية ، على اعتبار ان فترتها القانونية قد انتهت ، وانها لا تجرؤ على اجراء انتخابات جديدة خوفا من ان تخسرها أمام حركة حماس . وبدلا من التمعن في ما يصدر عن هذا المسؤول الاسرائيلي ، ننبري للرد عليه ردا ركيكا لا يستقيم الا مع مفرداته وكلماته ، لا على مضمونها ومستنقعه الفاشي ، كأن نقول له ان سلطتنا تحظى بالاعتراف الدولي . اوللهجوم على حماس من انها تحظى بقبول ومباركة هذا العنصري ، متناسين انه وبقية اقطاب حكومته يعدون العدة للهجوم على غزة ، وكأن غزة قد نهضت من ركامها ، وكأنها اصبحت في معزل عن محاصرتها برا وبحرا وجوا بشكل يومي على مدار عدة سنوات .

وبدون ويكليكس ، فقد سبق لليبرمان ان قال "ليذهب مبارك الى الجحيم إذا ظل مصرا على عدم زيارة اسرائيل" ، وهدد بضرب مصر في عمقها وتدمير سدها العالي ، كما هدد بقتل بشار الاسد و جميع افراد عائلته ، وأمام الامم المتحدة قبل ثلاثة اشهر قال انه لا يتحدث عن نقل سكان ، "بل عن نقل حدود لكي تعكس بشكل افضل الحقائق السكانية الجديدة" .

وتتجلى المشكلة العربية / الفلسطينية في الاعتقاد السائد ان ليبرمان في تصريحاته هذه لا يمثل الحكومة الاسرائيلية ، في حين انه في حقيقة الامر اصدق من يمثلها ، ولهذا تراه يحصد وحزبه "اسرائيل بيتنا" ثقة الشعب الاسرائيلي بالجملة والمفرق .

سنة عربية بامتياز ... ننتظر فيها ست دول جديدة 24-12-2010

السنة الميلادية الجديدة التي تزداد التمنيات والصلوات لكي تكون سنة خير وبركة على الامة ، مرشحة لميلاد ثلاثة دول عربية جديدة تخرج من رحم السودان (الحركة الشعبية في الجنوب ) والعراق (دولة كردستان في الشمال) وفلسطين المحتلة ، وإذا ما تمت الولادات الجديدة بالسلامة ، وظلت الام والمواليد بخير وبصحة جيدة ، فإن السنة الجديدة ستكون سنة خير وبركة بكل تأكيد ، وسيرتفع عدد دولنا العربية الى حوالي خمس وعشرين دولة . فماذا لو جاءت الامهات حاملات بدولتين في كل بطن ، دارفور في غربي السودان ، وشيعة العراق في جنوبه ودولة حماس في قطاع غزة المستقلة عن دولة الضفة . ، سيصبح العدد ثمانية وعشرين دولة في عين اللي ما يصلي على النبي ، وسنكيد اسرائيل بهذا العدد المهول أكثر وأكثر ، وبدلا من ان تظل تحثنا على الرحيل الى الاردن او لبنان ، تحثنا على الرحيل الى الدول الجديدة التي لربما تحتاج الى مزيد من السكان ، ومزيد من الايدي العاملة لكي يفاخر النظام بأنه يحكم شعبا كبيرا قائما على التعددية الطائفية التي تتسع للجميع ما عدا حرية الفكر والرأي والمعتقد ، شأنها شأن الدولة الام التي انفصلت عنها للتو .

الدولة الفلسطينية هي التي من المتوقع تعثر ولادتها ، رغم إصرارنطاسييها الذين يواكبونها على مدار عشرين سنة من ان الولادة حاصلة في هذه السنة الجديدة رغم ان ليس هناك من أي مقومات علمية ومادية لمثل هذه الولادة ،والشكوك تدور حول الحمل ذاته . هناك في الطب النفسي ما يعرف بالحمل الوهمي ، وتبدي الأم اعراضا مشابهة لأعراض الحمل الحقيقي ، ويذكرنا هذا بكاريكاتير وضعه الفنان الشهيد ناجي العلي قبل حوالي ربع قرن حين قال الطبيب لسيدة متصابية في خريف عمرها تلبس ثوبا مزركشا جاءت لمراجعته بشأن حملها ، قال لها : هذا إنتفاخ يا منظومة ، وكان يقصد بالطبع منظمة التحرير ، في حين قال الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب "و البلاد إذا سمنت وارمة" .

ونحن على بوابة السنة الجديدة ، لا نريد تثبيط عزيمة أهل العزم توليد الدولة الجديدة ، لكننا لا نقبل انتظار عشرين سنة أخرى من أجل تلك الدولة المزعومة التي نشك حين تقوم انها ستكون مستقلة وذات سيادة على الجو قبل البر والبحر بعاصمة واحدة هي القدس لا رام الله او غزة . بمعنى ان على القيادة الذهاب للبحث عن بدائل لهذه الولادة غير الطبيعية من أجل مولود غير مشوه يكون عبئا علينا لا سندا لنا طال انتظاره . . ويسعفنا وإياهم في ذلك شاعرنا الكبير محمود درويش الذي قال :

ماذا تريدُ؟ عَلَمَاً؟ وماذا تنفع الأعلامُ ... هل حَمَتِ المدينَةَ من شظايا قنبُلَهْ؟/ ماذا تريدُ ؟ جريدةً؟ ... أتفقِّسُ الأوراقُ دُوريّاً وتغزلُ سنبُلَهْ؟/ ماذا تريدُ؟ شْرِطَةً؟ ... هل يعرف البوليسُ أين ستحبل الأرضُ الصغيرةُ بالرياح المُقْبِلَهْ؟/ ما أوسع الثورة ، ما أضيقَ الرحلة ، ما أكبَرَ الفكرة ، ما أصغَر الدولة!.....

عن السنة الجديدة 20-12-2010

لا أنصح المعنيين الهاربين من السنة الحالية إرجاء قضاء حاجاتهم وإحتياجاتهم الى السنة الجديدة ، على اعتبار ان السنة الحالية كانت سنة بؤس وخذلان وتخييب آمال و"بلاوي زرقة" من كل النواحي تقريبا بما في ذلك الناحية الطقسية والمناخية التي حتى عندما ضرب المنخفض الجوي العميق منطقتنا بالامطار والثلوج ، ضرب وطننا بالغبار والاتربة .

ولأن البعض يعول على السنة الجديدة ، كونها في حكم الغيب ، ويمني النفس انها ستكون سنة خير وبركة على شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية ، فإن السنوات الماضية كانت كفيلة بأن تدق ناقوس الخطر في آذانهم التي صمها صدى الخطاب الكاذب ، واعينهم التي أغشاها الصديد ، حيث بعد نهاية كل سنة ينتقلون الى السنة الجديدة حاملين اليها همومهم ومشاكلهم وقضاياهم رغم كافة التمنيات والتهاني بأن تكون سنة جديدة جيدة ومعطاءة وسخية ، لكن سرعان ما تنتهي السنة المأمولة ليكتشفوا ان الجديدة جاءت أكثر سوءا وبؤسا من سابقاتها .

في سودان البشير على سبيل المثال لا الحصر ، دغدغ مشاعر جماهير الصم والبكم ، انه سيطبق الشريعة في حالة انفصال الجنوب ، في الوقت الذي يكشف عنه ويكليكس انه سرق تسعة مليارات دولار ، وهذا يذكرنا بعبارة "الله أكبر" التي فطن البعث العراقي اضافتها لعلمه عشية الغزو الثلاثيني بقيادة امريكا ، فيخرج علينا مفتي السعودية ، فيبارك القوات الغازية بأنهم "مأجورون مشكورون" .

هذه ليست نظرة تشاؤمية كما سيتبادر للبعض ، ولا تفاؤلية بالطبع ، لكنها نظرة موضوعية لواقعنا البائس من المحيط الى الخليج بالرغم من فوز قطر بإستضافة مونديال 2022 وبالرغم من تأجيل المحكمة الدولية إصدار قرارها الظني في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري وبالرغم من اعتراف البرازيل بدولتنا المستقلة على حدود 1967 .

من غير المنطقي ان نرى الجنازة ونقول لها "دايمة" لكي يقال عنا اننا متفائلون ، هذا جزء من ذر الرماد في العيون ، بل هو أكثر من ذلك بكثير ، لربما جزء من ماكينة الدولة العربية في تاريخها التليد والحديث ، ان يكون لها جوقتها من "المتفائلين" الذين يرّحلون قضايا الناس الى المستقبل وحكم الغيب الذي لا يعلم كنهه الا الله ، الى ان جاء الشاعر الفيلسوف ابو الطيب المتنبي فأطلق صيحته المتأسية "عيد بأية حال عدت يا عيد " وظل صداها يتردد من ما يزيد على ألف سنة .

فمثلا ، كيف يكون هناك تحرير بدون مقاومة ؟ وكيف يكون هناك مقاومة فاعلة بدون وحدة وطنية ، وكيف يكون هناك وحدة وطنية بدون مصالحة ، كيف يكون وقف مفاوضات بدون وقف التنسيقات ، وكيف يكون وقف العلاقة مع الابنة (اسرائيل) والانصياع الكامل لوالدتها (امريكا) . وبلغة العلم ، كيف يكون هناك استراتيجية صائبة بتكيكات هزيلة وهزلية .

معادلة أمريكا ... أسمعت كلماتها من به صمم 10-12-2010

هذه ليست ابتسامات الاسد التي حذّر منها شعرا خالدا ابو الطيب المتنبي حين قال "إذا رأيت نيوب الليث بارزة / فلا تظنن ان الليث يبتسم " ، فأمريكا ، والحديث موجه للمراهنين على تطور موقفها بعد اصدامها بالموقف الاسرائيلي المتعنت بالرغم من العطايا السخية ، لن تظهر لنا اسنانها البيضاء لنسء فهمها فيتضح انها نيوبا وأضراس القضم لا الابتسام .

لقد عبرت ما بعد اصطدامها بالصخرة الاسرائيلية ، وهنا سيخرج علينا من يراهن على ان الصخرة ليست اسرائيلية ، بل نتنياهوية مع اقطاب حكومة يمينية متطرفة ، وهي - أمريكا - قادرة على تفكيكيها وإجراء انتخابات مبكرة كعادة معظم حكومات اسرائيل ، فإننا سنستبق الاحداث بشكل متفائل ، وسنفترض ان امريكا تكشف لنا عن ابتسامتها ، بعد اذعاننا لكل ما طلبته جملة وتفصيلا ، من ان الانتخابات القادمة ستعيد الليكود الى سدة الحكم ومعه حلف يميني أشد وطأة وأكثر عددا ، الا إذا اعتبر البعض ان كاديما شارون سابقا وموفاز حاليا ، يسار وليبرال ، سيعطينا دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف التي يتداعى اقصاها ويئن شعبها تحت وطأة التطهير والتظيف العرقي بما يتلاءم مع يهودية الدولة .

وعودة لجملة البوادر الامريكية السلبية تجاهنا ، والتي كان يجب ان توجهها الى اسرائيل ، فإن اولها امتعاضها من اعلانات الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 ، ثم الاقتراح الذي قدمته بانسحابات اسرائيلية من مدن الضفة مقابل العودة للمفاوضات لصياغة اتفاقية إطار في غضون عام ، ثم استخدمت تعبير "مشاورات" مع القيادتين الاسرائيلية والفلسطينية في واشنطن بدلا من تعبير مفاوضات التي كانت قد استبدلته بمفاوضات غير مباشرة ، وقد استغرقنا ذلك عدة أعوام لم تتوقف خلالها جرافة نتنياهو ولا جرافة من سبقه ، عن بناء المستوطنات الهدام في الارض الفلسطينية المحتلة ، والتي اعتبرها برلمانييون اوروبيون مؤخرا لدى جولة لهم في عدد منها انها – المستوطنات - معاقل للحرية . وأخيرا عبرت امريكا بصريح العبارة عن رفضها فكرة اعترافها بالدولة الفلسطينية ، لا على حدود 1967 ولا حدود 87 ولا حتى حدود ما قبل الانتفاضة الثانية نهاية عام 2000 بعد ان شرعت ببناء جدارها العازل .

إن جملة هذه المواقف الامريكية واضحة حتى لمن أصابه الصمم ، وهو ما يعيدنا للشاعر الكبير المتنبي في نفس القصيدة "انا الذي نظر الاعمى الى أدبي / فأسمعت كلماتي من به صمم" .

نتحلل من أمريكا ، مدعية انها راعية السلام ، اسرع لنا من البقاء تحت نابها الازرق ، بالرغم من المشقة والصعوبة ، خاصة في الامر المروم ، الذي قال فيه المتنبي :

"إذا غامرت في أمر مروم / فلا تقنع بما دون النجوم--- فطعم الموت في امر حقير / كطعم الموت في أمر عظيم " .

ساحل العاج دولة برئيسين ... لدينا ذلك وما هو أسوأ . 6-12-2010

يتندر الناس على دولة ساحل العاج التي كانت حتى يوم الانتخابات برئيس واحد ، وبعد الانتخابات اصبحت برئيسين ، وهو أمر يثير التندر فعلا ، وما كان هذا التندر ليصلنا في العالم الثالث لو ان المسألة كانت معكوسة ، بمعنى لو انها كانت برئيسين قبل الانتخابات ، واصبحت برئيس واحد بعدها ، وهو المعنى الذي تفيده الانتخابات أي انتخابات في حدودها الدنيا : تداول السلطة ، تغييرها ، منح الثقة او تجديدها ، والاهم تشريعها من قبل الشعب لمدة زمنية محددة .

واذا كانت انتخابات ساحل العاج التي جلبت رئيسين للبلاد قد اثارت تندرنا ، فإن لدينا في عالمنا العربي "سواحل عاج" متعددة تثير التندر وما هو أكثر سوءا. هل نبدأها بالصومال الذي شهد انتخابات رئاسية قبل خمسة اشهر ، وهو المقسم عمليا الى اربع كيانات متصارعة وترغب كل قبيلة اعلان دولتها المستقلة .

أم في العراق الذي شهد انتخاباته في ظل الاحتلال العسكري الامريكي قبل تسعة اشهر على أجندات طائفية بحتة ، كأن يكون الرئيس كرديا ورئيس الوزراء شيعيا وورئيس مجلس النواب سنيا دون ان تنتفي امكانية تقسيمه الى دويلات .

الوضع في لبنان ، لا يختلف كثيرا عن العراق من ناحية الكوتة الطائفية ، التطور الجديد ان الحكم الفعلي فيه ليس للرئيس المسيحي المنتخب ولا رئيس الحكومة السني ولا حتى رئيس مجلس النواب الشيعي .

الوضع في السودان الذي شهد انتخاباته الاخيرة قبل ثمانية اشهر ذهبت بالبلاد نحو انتخابات جديدة من نوع آخر هي "الاستفتاء" لكي يصبح دولتان ، وكأنه ليس كذلك من قبل ، دارفور ايضا إذا ما اتيح له الانفصال عن الخرطوم فإنه لن يتأخر ، فهو الاكثر فقرا وجوعا وبؤسا ومذابح .

الخليج العربي المتسع لست دول مقسمة بين المملكة والامارة والسلطنة والمشيخة و لا يتجاوز تعداده الإجمالي عدد سكان مدينة بغداد ، ويورث فيه الحاكم ، ملكا واميرا وشيخا وسلطانا ، الحكم الى ابنه بدون أي نوع من الانتخابات .

فلسطين ، قضية العرب الاولى ، شهدت انتخابات تشريعية قبل خمس سنوات فأصبح لدينا بدلا من السلطة الواحدة سلطتان وحكومتان بحوالي خمسين وزيرا ، ودولتان منفصلتان يحتاج المواطن للعبور من الاولى الى الثانية الى تأشيرة ، رغم انها ما زالت محتلة .

ترى ما الذي ظل من عالمنا العربي الذي يتندر على ساحل العاج ، اليمن ؟ التي وحدها النظام بالحرب ، وها هي تنفجر الى أكثر من يمنين .

مصر ؟ التي يدرس رئيسها الغاء انتخاباتها .

سوريا ؟ التي عدلت دستورها كي يستوعب وريثها .

الاجدى بنا ان نتندرعلى انفسنا بدلا من التندر على ساحل العاج .

انتخابات مزورة اقل سوءا من لا انتخابات بالمرة 3-12-2010

كثر الحديث واللغط عن الانتخابات المصرية التي لطالما انتظرتها أحزاب المعارضة كي تجري التغيير المنشود و المرجو ، سبقتها بأيام الانتخابات الاردنية ، واجتاحت الكثيرون موجات غضب إزاء النتائج وازاء ما صاحب العملية الترشيحية والاقتراعية والفرزية وبلغ الامر ان يشعر البعض بالاحباط اليأسوي من الانتخابات العربية عموما ، التي حين يحصل وانها تأخذ مكانها ، فإنه يتم التلاعب فيها عيني عينك ، فتتعمق قناعة ان لا انتخابات عربية نزيهة ، ويندرج تحت هذه القناعة ما يفيد ان الديمقراطية الانتخابية شيء ما متناقض مع الجينات العربية ، وبدلا من توجيه اللوم للأنظمة الحاكمة بالحديد والنار رغم ديمقراطيتـ(ها) ، يتم الهجوم والتهجم على الجماهير العربية التي وصفها احد ضيوف برنامج الجزيرة "الاتجاه المعاكس" بأنها – الجماهير- كقطعان الغنم ، ثم عاد وسحب كلامه مقدما اعتذاره للغنم .

إن أحزاب المعارضة في مجملها لا تختلف كثيرا عن الحزب الحاكم ، وهنا فإننا لا نتحدث عن البرامج ، لطالما هي شعارات محبرة على الورق ، بل عن منهج الحياة الديمقراطية داخل هذه الاحزاب ، بغض النظر عن تقدميتها او رجعيتها ، نحن نعرف أحزاب التصنيفين وما بينهما ، حيث يحتل الامين العام موقعه منذ عشرات السنين ، وإذا كان الزعيم القذافي هو الأقدم (يتبوأ موقعه منذ احدى واربعين سنة) ، فهناك من سبقه في أمانة بعض أحزاب المعارضة ، وان غالبيتهم العظمى حتى ولو لم يتقدموا على القذافي في السباق الزمني ، فلأنهم انتقلوا للرفيق الاعلى وهم ما زالوا ممسكين بأمانة الحزب ، فأي ديمقراطية هذه التي يتحدثون عنها ، واي منطق مقبول وهم يأخذون على النظام الحاكم تمسكه بالسلطة عشرات السنين ، بل وكيف يمكن ان يسلم النظام الحاكم مقدراته لمعارضيه من احزاب المعارضة ويرحل ، في حين انه أمين عام الحزب لا يسلم مقاليده لنائبه او لرفيقه الذي يجلس الى جانبه ويشاركه تطبيق برامج حزبه ردحا طويلا من الزمن الأغبر ، ولهذا على سبيل المثال لا الحصر انشقت حركة القوميين العرب الى شباب الثأر فجبهة النضال والقيادة العامة والجبهة الشعبية ، وبعد مرو وقت قصير وطويل ، انشقت كل جبهة الى جبهتين ، وحتى الجبهة المنشقة انشقت من جديد ، كالديمقراطية المنشقة عن الشعبية التي انشقت عنها حركة فدا .

وفي خضم هذا التحرك الانتخابي على علاته واخطائه وخطياه ، فإنه لم يعد بمقدور النظام العربي تجاوز الانتخابات الدورية ، وخلال حقبة اخرى من الزمن فإنه لن يكون بمقدوره تزويرها عيني عينك ، ليس فقط من باب اخضاعها للرقابة الصارمة ، بل لأننا اصبحنا نرى الجماهير تنزل الى الشوارع مقدمة مجهودها في الاعتراض والاحتجاج . في الماضي لم تكن الانتخابات تهمها وكأنها شيء ما لا يعنيها، وهو تعبير واضح ان الجماهير اصبحت مهتمة بمن يحكمها لفترة زمنية محددة . وعليه فإن اجراء انتخابات مزورة اقل سوءا بمرات من لا انتخابات ، تحت مبررات ومسوغات لا تنطلي حتى على مطلقيها .

معادلة حلف التصدي لأمركا واسرائيل 26-11-2010

بزيارة رئيس وزرائها الى لبنان ، تكون تركيا قد تقدمت خطوة صريحة اخرى نحو حسم موقفها ضد اسرائيل ، بحيث ان خطابه التهديدي ضدها كان واضحا وصريحا فيما يتعلق بأي من اعتداءاتها عليه او على غزة ، من ان بلاده لن تقف موقف المتفرج . اردوغان الذي يعمل في السياسة من ابرز مواقعها ، ألمح في خطابه ، انه سيتصدى للانظمة التي لا يعجبها التقارب التركي مع العرب ، وهو بالتأكيد يعرف انها تصطف مع اسرائيل بطريق مباشر حيث ترتبط معها باتفاقيات موقعة ، او بطريق غير مباشر وعبر وسيط غير نزيه هو الولايات المتحدة ، وبالتالي فأن التلميح يطول حلفاء اسرائيل من فوق ، امريكا وبعض دول اوروبا ، ومن تحت ، اي الانظمة العربية الكبيرة والمتهالكة في الصغر على حج سواء .

وما كان لتركيا ولا لطيبها اردوغان ، ان يتقدموا على هذا الطريق الوعر والخطر ، لو لم يوصد الاتحاد الاوروبي بواباته امامها ، في حين فتحها لكل من هب ودب ، مدركا ان قرار الاغلاق هو اسرائيلي بحت ، هذا من جهة ، ومن الجهة الاخرى ، فإن الطريق على وعورته وصعوبته ، فإنه ليس بكرا ، فهناك من يسير فيه منذ عقود ، وبالتحديد طهران ودمشق وبغداد قبل احتلالها ، والتي تنهض من جديد .

اما لبنان ، الذي يتخوف نتنياهو ، صاحب مشروع الدولة اليهودية ، فهو يتخوف من ان يسيطر عليه حزب الله ، فإن اردوغان يعرف أكثر من نتنياهو ، من ان حزب الله بعد ان تصدى للاسرائيل ، انما سيطر فعليا على لبنان وعلى أفئدة الجماهير العربية والاسلامية في العالم .

وعليه ، فإن الزيارة ، تحمل في طياتها اعلان مبطن عن الانضمام للحلف ، الذي يرغب البعض اعتباره اسلاميا او شيعيا ، او عربيا ، وهو في حقيقته حلفا امميا ، تنخرط فيه ثلاثة امم عريقه ، ذات حضارات تليدة تمتد الى الاف السنين يدينون بالاسلام والمسيحية وكذلك اليهودية ، وبعض من هذه الامم حكمت العالم في اربعة ارجائه ، واشاعت الفكر والادب والعلم والفن .

يكفي هذا الحلف فخرا انه يستطيع ان يقول "لا" لأمريكا ، و "الويل" لإسرائيل ، التي تهيمن على المنطقة وكيلة عن أمريكا ، وفي الآونة الاخيرة ، شريكة لها ، وتمعن في احتلال الشعب الفلسطيني ، الذي جنحت قيادته للسلم معها ، لكنها وعلى مدار عشرين سنة مفاوضات لم تقبض غير الريح ، وأخيرا تمنحها امريكا رشوات تفوح منها اعتى الرائحات عفنا ، فترد عليها بسن قانون الاستفتاء الذي يشرع عمليا احتلالها للقدس والجولان .

يكفي هذا الحلف فخرا انه يضم ما يناهز مئتي مليون انسان ، لهم دين واحد : التصدي للشر .

و ما زلنا لا نعرف ان كان الرئيس الفلسطيني قد وضع امكانية الانضمام لهذا الحلف من ضمن الخيارات الخمسة التي قدمها لأمريكا .