السبت، 29 يناير 2011

شمس عربية تشرق علينا من غرب الوطن

تشارف الفترة الاكثر برودة في شتاء الامة العربية والتي يسميها الفلاحون بالاربعينية على الانتهاء ، وهي التي تمتد من 20 كانون اول حتى نهاية كانون ثاني ، وهي في هذا العام لم تكن باردة على الاطلاق .

لا أحد يستطيع انكار مخاضات الامة الساعية منذ عقود وقرون ان تنهض بنفسها نحو الحرية الحقيقية من براثن الجوع والبرد والفقر والمرض مجبولة كلها في خلطة عجيبة من الذل والهوان والصغار ، و وصل بالبعض الاعتداء عليها جملة ومفرقا ، ويقتص من ارضها ويهيمن على ثرواتها ويستعبد انسانها ويدنس مقدساتها ويمسح تاريخها ويبدد امالها في مستقبل حتى لو كان بعيدا .

شمس هذه الامة تستطع هذه الايام من جديد على كافة ارجائها ، متزامنة مع أشد الفترات برودة وصقيعا ، وتأتي من تونس الخضراء فلبنان الكبير رغم صغر مساحته ، فمصرالعظيمة التي يبدو انها تريد استعادة دورها كأم للدنيا ، واليمن السعيد ، والذي أصبح من اكثر دول العالم تعاسة وبؤسا ،

الجزائر الاردن السودان ، ونميل للاعتقاد انه مع مرور هذا العام تكون شعوب هذه الامة قد نفضت الكثير مما تراكم علي كاهلها من غبارالسنين وهوانها على يد وكلاء الاستعمار قديمه وحديثه ، بحيث لن يستطيع طاغية مهما اوتي من قوة بطشية ، محلية واجنبية ، فإنه لن يستطيع خداع شعوب العالم لا ولا حتى حكوماته التي تتغنى بالديمقراطية والتحضر .

هل أحد راقب كيف تعاطت امريكا مع بن علي "زين العرب" قبل الخلع وبعده ، وهل لا حظنا كيف يرفض الشعب التونسي البدائل المطروحة رغم مرور اسبوعين على فراره .

وهل رأينا كيف انقلب الحكم في لبنان بدون قطرة دم واحدة ومن خلال مؤسسات الدولة دون ان تتمكن الدول العاتية من ادانة ما حصل .

لا أبالغ إذا قلت لكم ان اشعة الشمس العربية القادمة الينا من مواقع الفقر والبؤس العربي قد وصلت الي ، انا احد اللاجئين الفلسطينيين ، كان ذلك بفضل ما تم الكشف عنه من محاضر لقاءات مع اسرائيل ، وبعيدا عن اي مناكفات بين السلطة والجزيرة ، بين فتح الحاكمة في الضفة وحماس الحاكمة في غزة ، فإن النشر يجب ان يقوي من شكيمتنا ، ويدفعنا الى مراجعة اوراقنا ومواقفنا وحتى محاضر لقاءاتنا مع العدو ، فإنني اكثر اطمئنانا إزاء حق عودتنا ، على الاقل من باب انه لن يكون هناك مساوم واحد على هذا الحق ، رغم ما نشر من عودة بضعة الاف سنويا ، وبرغم رد ليفني الليبرالية من ان العدد المسموح بعودته هو صفر .

لم أكن مستعجلا على عودتي الى وطني ، لا ولا أبي كان كذلك . جدي كان مستعجلا ، لم يكن يقرأ ولا يكتب ، وكان دائم الصلاة والدعاء ، للدرجة التي كان يذهب كل يوم جمعة الى سلوان لكي يتوضأ من مياه قناة فيها تدعى عين سلوان مشيا على الاقدام ومات بعد اقل من 15 سنة على لجوئه دون ان يعود الى شجرة جميزته . بموته لم يمت حقنا في العودة .

الاثنين، 24 يناير 2011

"حين يأكل قط ما يشبع عائلة في عدن"

ليس اسوأ من مسؤول عربي يخرج علينا ليبدي قلقه إزاء الوضع المتفجر في قطر عربي آخر متجاهلا ما يمر به قطره ، فيظهر بمظهر المصلح الحريص على القطر الآخر عملا بالحديث الشريف "اذا اشتكى منه عضو ، تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى" وبمظهر القوي المكين السليم إزاء اوضاع شعبه ووطنه من انه بدون ادنى شائبة .

فترى المصري يبدي قلقه على الوضع اللبناني ، واللبناني يقلق على اليمني واليمني على الفلسطيني والفلسطيني على السوداني والسوداني على الجزائري والجزائري على الصومالي والصومالي على العراقي والعراقي على الليبي والليبي على السعودي والسعودي على القطري والقطري على التونسي ... الخ ، وربما تجد نظاما يمتد قلقه ليطول أكثر من قطر في الوقت ذاته ، متصورا انه أب الجميع بحكم سنه او ماله او كبرعدد سكانه او وسع مساحته ، في حين ان المياه تتسرب من تحت أقدامه ، تماما كما تسربت من تحت اقدام بن علي .

المتطلع للوطن العربي من محيطه الى خليجه ، يراه مرجلا يغلي ، يصهر كل ما يطوله فوه ، وتكاد مواده المنصهرة تفيض الى ما حوله فتحرق الاخضر واليابس ، وتكاد رائحته الخانقة تقتل البشر والشجر .

فالديمقراطية شبه معدومة في هذا الوطن ، وحين يكون هناك جانبا محدودا منها يتمثل في اجراءات شكلية موسمية كإجراء انتخابات ، اما يكون جوهرها طائفيا ، او مزورة ، او محدودة لا تمس هرم القطر . وما بين كل دورة ودورة لا تحقق الجماهير هدفا واحدا من هذه الانتخابات ، ولهذا اصبحت تعزف عنها ، وفي بقية ايام السنوات ما بين الانتخابات ، يقمع المواطن العربي قمعا مشينا ، بل ويمنع من حرية التعبير عن رأيه ومعتقده ، وتتدخل أجهزة الامن في خصوصياته بما في ذلك لباسه( حجاب المرأة وبنطلونها) وقصة شعره ، ولا يسمح له بالتظاهر والاعتصام والاحتجاج ، ولا حتى الهتاف لفريقه حين يفوز في كرة القدم ، فماذا تراه يفعل بعد ذلك . يكظم غيظه ، وينطوي على نفسه ، من الدار للشغل ومن الشغل للدار ، وكما يقول البعض " من الفرشة للورشة" ، ولكن ماذا يفعل اذا لم تكن هذه الورشة سوى مستوطنة ، كما يحصل مع العمال الفلسطينيين ، او عملا اسودا ، لا يتناسب مع ما حصله المواطن من تحصيل علمي ، فماذا اذا لم تتوفر تلك الورشة من أصله ، فيقول في ذاتيته : رضينا بالذل ولكن الذل لم يرض بنا .

فماذا بعدها اذا ارتفعت اسعار المواد الاساسية دفعة واحدة ، وماذا اذا رأى مسؤوليه يغرقون في الفساد و ينفقون ببذخ لا يوصف ، وكما قال الشاعر "يأكل قط ما يشبع عائلة في عدن" . حينها سيخرج المسؤول هذه المرة ليبدي قلقه عليهم ، فيقول لهم كما قال زين العابدين بن علي : فهمتكم . لكن حينها كانت قد احترقت تونس .

الاثنين، 17 يناير 2011

"بالصمغ هذي الدمى الوطنية واقفة"

قال الشرطي للخريج الجامعي العاطل عن العمل وهو يبيع الخضار على عربته : غادر الساحة ، فهبت الجماهير تقول لزعيمها : انت من يجب عليك مغادرتها ، فغادراها الاثنان ، واحد الى المجد والخلود ، والآخر الى مزبلة التاريخ .

ليس هناك من شيء ، اي شيء ، استطاع حمايته وزمرته من غضبة الشعب ، لا ولا أجهزته الامنية والعسكرية والدبلوماسية والحزبية والاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة ، لا ولا سجونه واسلحته ودباباته وطياراته وأمواله ، لا ولا علاقاته وتحالفاته الداخلية والخارجية العلنية والسرية مع الشمال والجنوب والشرق والغرب وما بينهما (اسرائيل) ، وعندما فر بريشه بالكاد أخذ معه افراد عائلته ، ووجد الجميع يتنصلون منه وكأنه فأر أجرب ، وحامت طائرته ، التي من حق الشعب استعادتها ومعها المليارات التي كان قد هربّها ، حامت ساعات قبل ان تشفق عليه دولة مملكة مشترطة عليه ان لا يكون معه اموال وان يجلس ساكتا .

لا يقتصر هذا على طاغية تونس ، بل ان معظم زعماء الامة ينطبق عليهم ما انطبق عليه بدرجات متفاوتة ، خاصة في موضوع الحريات والحقوق والديمقراطية ، ولهذا لم يكن بينهم زعيما واحدا غادر السلطة خلال الستين سنة الماضية ، بإستثنائه ، ومن افتقده الله ، وكان كما كلنا نعرف ، قد رتب توريثها لإبنه .

هل هناك من يشك في ان الزعيم الفلاني او العلاني سيترك السلطة مع نهاية ما يسمى بدورته الدستورية دون ان يورثها لإبنه ، او دون ان يدستر مادة جديدة تقضي بأن يحكم مدى الحياة . وحين يكون هناك تدخلا ربانيا مفاجئا يتم تعديل الدستور لينطبق على ابنه او اخيه او عمه .

واهم وحالم من يعتقد ان الزعيم العربي ، سيتعظ من الدرس التونسي ، فقد سبق ان كانت هناك دروس ابلغ رغم انها لم تكن بوطأة النظام العربي ، مثل شاه ايران و شاوشيسكو وبينوشيت ، وهي حالات خلع حدثت في الزمن القريب ، لكنا بدلا من ان نرى اتعاظا ، رأينا توغلا وتعمقا في التمسك بالحكم حتى الموت وما بعد الموت ، وبهذا ما زالت الشعوب المحكومة ترى صور الزعيم الراحل تملأ الساحات والشوارع والمرافق ، وكأنه كان بطلا فذا وقائدا عظيما ، وفي الحقيقة لم يكن اكثر من طاغية تونس ، وأداة في يد امريكا واسرائيل .

في السودان ، يضحي القائد الملهم بنصف الوطن من اجل ان يبقى الحاكم ، وفي لبنان "الديمقراطي" يضع الحاكم مصلحته ومصلحة ابيه الذي قتل قبل ست سنوات ، على مصلحة الوطن والشعب ، وفي اليمن تساءلت عن الرئيس إن كان بدون ابناء بعد ان أعلن انه سيظل رئيسا مدى الحياة .

الحاكم الأخير المخلوع ، ليس الا نسخة عن الحاكم العربي ، وقد تكون نسخة محسنة ، على الاقل لا يظهر في المسجد كل جمعة فتدوشنا وسائل اعلامه بهذا الظهور الايماني ، لا يحمل عصا يلوح بها في السراء والضراء ، لا يجلد المرأة في الشوارع بحكم الشرع ، لا يحظر على المرأة قيادة السيارة ويجبرها حين تكون محامية ان لا تلبس البنطلون تحت الزي القضائي ، لم يحكم كما حكموا ثلاثين سنة فأكثر . وعليه فإن الطاغية المخلوع لن يكن الاخير ، فهم كما لاحظنا ووفق الشاعر الكبير مظفر النواب : "بالدبابيس والصمغ هذي الدمى الوطنية واقفة / قربوا النار منها / لا تخدعوا انها تتغير / لا يتغير منها سوى الاغلفة ."

الجمعة، 14 يناير 2011

معادلة عن الاحتلال والتهدئة

اتصل رئيس وزراء حكومة غزة بمدير المخابرات المصري ليطلعه على اجراءات التهدئة العملية بما في ذلك اوامره لقادة الامن ونشر القوات على المناطق المتتاخمة مع اسرائيل ، وهو طبعا يعرف ان ذلك سيتم نقله لها ، هذا إذا لم يكن تلفونه مراقبا فتستطيع اسرائيل التقاط الرسالة .

ولا داعي للتذكير ان حماس تتحكم في غزة اليوم شعبا وحكومة وفصائل ، وان دعوتها لتلك الفصائل قبل ايام من أجل ما اسمته التوافق الوطني حول الالتزام بالتهدئة من أجل مصلحة الوطن العليا ، هو كلام قد سمعناه نحن ابناء هذا الشعب من قبل ، وان الذي كان يخرج عن القرار يتعرض للملاحقة والاعتقال وأحيانا التخوين . ولهذا تم نشر القوات الوطنية عند التخوم لمنع العملاء والخارجين عن الصف الوطني من اطلاق "الصواريخ" على اسرائيل .

ما نود التذكير به ان اسرائيل هذه ، بالاضافة الى انها العدوان لأنها الاحتلال ، انما لا ينفع معها التهدئة ولا الهدنة ولا حتى اتفاقيات السلام الدولية مثل اتفاقية اوسلو ، وانها ستهاجم غزة وحماس وستدمر معها أسلحتها التي اعدتها قبل ان تستخدمها ، ببساطة لأن إشارة الحرب صدرت لتوها من دهاليز السياسة العالمية ، ولأن الاسطول الامريكي ومعه الفرنسي قد بدءا بالتململ في المتوسط بدعوى منع حزب الله من الاستيلاء على البلد ، فما الذي يمنع الايعاز لاسرائيل تقليم أظافرحماس في غزة .

ألم يكن تهدئة عندما شنت اسرائيل حربها على غزة قبل عامين ، ألم تكن هناك اتفاقية سلام عندما اعادت احتلال الضفة وتدمير جميع البنى التحتية بما في ذلك المطار والميناء والمقرات الامنية والشرطية ومحاصرة ياسر عرفات في مقره حتى موته ، ألم تتغول اسرائيل أكثر فأكثر في استيطان الضفة وتهويد القدس رغم التهدئة شبه المطلقة ، للدرجة التي رفضت المفاوضات مقابل تجميد مؤقت لهذا الاستيطان . وبدلا من الاتعاظ من هذه العقلية العسكريتارية التدميرية للوطن الفلسطيني بجناحية الضفاوي والغزاوي ، ذهبنا اعمق فأعمق نحو التربع على كراسي الدولة الموهومة وأجهزة الامن بقادتها والقوات المسلحة ، اصبح لنا دولتان وحكومتان وسجون عديدة لزج المناضلين من الطرفين فيها ، وها هي حكومة غزة تعلن عن البدء ببناء سجن كبير شمالي القطاع "من اجل الوعظ والارشاد ويكون قريبا من ذوي المسجونين كي يزوروهم بسهولة" في الوقت الذي ما زال البعض يفترش الارض ويلتحف الخيام .

هادنتم أم لا ، هدّأتم ام لا ، قمعتم ومنعتم ونشرتم وطاردتم واعتقلتم ، فإن قرار شن الحرب التي لم تتوقف قد صدر ، بل هو موجود في درج رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي والسابق واللاحق ، لأن المستهدف ليس بندقيتكم ولا مقذوفاتكم بل وجودنا وبقاءنا هو المستهدف . اليس هذا ما يحصل في سلوان والشيخ جراح وحتى صفد (منع تأجير الفلسطينيين) وام الفحم (محاولة تبديلهم بمستوطنين) وبئر السبع (هدم قرية العراقيب سبع مرات) وكل تهدئة وحكوماتكم بخير .

الاثنين، 10 يناير 2011

معادلة مواطن أكثر منها أوطان 10-1-2011

استغرق الشعب الجزائري لإدراك ان التحرر السياسي لا يغنيه عن الخبز خمسين سنة ، وكذا الحال مع الشعب التونسي والسوداني واليمني وبقية شعوب هذه الامة ، بل وكل شعوب العالم الثالث التي ابتليت بجملة من الاستعمارت قديمها وحديثها ، التي نهبت خيراتها ، ووجدت نفسها امام المقاومة الشعبية والوطنية مضطرة للانسحاب والخروج من الباب ، لكنها بعد ذلك عادت لتقفز من الشباك ، بمساعدة من وكلائها وسماسرتها المحليين واحيانا الوطنيين الذين أسهموا في مقاومتها في يوم من الايام .

لقد اثبتت هذه الشعوب ان بإمكانها غض الطرف عن موضوعة التحرر الاجتماعي والمساواة والعدل والحريات والديمقراطيات ، لو أنها لم تقترن بالجوع والفقر والبطالة والمرض ، فهذه حاجات رئيسية لا يستطيع الكائن الحي الاستغناء عنها ، خاصة عندما يرى نخبة الوطن تعاني من التخمة ، وتضيق بأموالهم بنوكهم الوطنية ، فيصل الامر بخريج جامعي تونسي ، ان يقدم على إشعال النار في نفسه ، بعد ان منعته الشرطة من ممارسة بيع البندورة من على عربة لكي يقيت نفسه وأمه .

في مواطن اخرى ، وهي مفردة أقرب للدقة من كلمة الاوطان ، ينتحرون بالجملة ، مثل موجات الهجرات الى الشمال الاوروبي ، فيموتون إما غرقا واما قنصا ، كما يحدث مع الاريتيريين والسودانيين عبر سيناء ، او ما طالب به العقيد القذافي من الاتحاد الاوروبي مؤخرا لدفع خمسة مليارات دولار مقابل التصدي لهؤلاء المهاجرين عبر حدوده .

في الجزائر ، التي قدمت مليون شهيد من اجل طرد الاستعمار الفرنسي ، قدمت ضعفهم هجروا الوطن المحرر الى البلد المستعمر ، وتفيد الكاتبة الجزائرية احلام مستغنمي ، ان الجزائريين يصطفون في طوابير للحصول على التأشيرات من السفارة الفرنسية ، ونتيجة اليأس والاحباط ، تجد في الشارع ما بين كل مسجد ومسجد بارا ، او بين كل بار وبار مسجدا ، ففيهما يعتقد المحبط خلاصه .

في كل هبة شعبية ، يقدم النظام مسكنا ، كما مع إقالة اربع وزراء في تونس ، او تخفيض الاسعار ووقف الضرائب لعدة أشهر في الجزائر ، لكن هذه المسكنات سرعان ما يزول اثرها ، او تصبح بلا مفعول .

جنوب السودان برمته قرر الانتحار بطريقته الخاصة بالانفصال عن هذا الوطن الكاذب ، وكأن الشمال يعيش الرخاء والازدهار ، حتى المواطن العربية التي لها اوضاع اقتصادية مستقرة ، لا يشعر فيها مواطنها بأكثر مما تشعر القطعان : مأكل ومرعى ، نصف شعوبها (المرأة) تأكلها مرارة قسوة الانسان بحق اخته الانسانة ، تجلد في الشوارع لأنها تلبس بنطلون ، وتمنع من قيادة السيارة ، ويطلب اليها ارضاع زميلها ، واخيرا يشرع للذكر زواجا جديدا اسمه زواج النهار ، بعد المسيار والمسفار والمتعة .

عن اطلاق سراح المضربين عن الطعام 7-1-2011

بإطلاق معتقلي حماس الستة المضربين عن الطعام ، نكون قد تجاوزنا محنة خطيرة كادت لو استمرت ان تعمق اساءاتنا لبعضنا البعض لو توفي احدهم او اكثر لا سمح الله ، ونحن لابد من استيعاب درس كبير ازاء هذه المحنة ، والتعلم ليس مقتصرا على المحتجزين ، بكسر الجيم ، فقط ، بل على الذين تاجروا بآلام المحتجزين ، والترويج ان احدهم قد مات سريريا ، غير مدركين ان هذا الترويج قد تجاوز الام والاب والعائله ليطولنا جميعنا وجعلنا نتوجس خيفة ولعنة لهذا الواقع الذي وصلنا اليه .

حين تم احتجاز أحمد سعدات قبل حوالي ثماني سنوات ، قال ياسر عرفات ان سعدات ليس معتقلا لديه ، بل ضيفا عنده ، ولكن ها هو سعدات يقضي الآن حكما بالسجن الفعلي ثلاثين عاما ، في حين أرسل ياسر عرفات الى القبر ، وكان يجب ان تشكل الحادثة درسا يتطلب من الجميع قراءته بتمعن ، خاصة وان اسرائيل ذهبت لاختطاف سعدات ومعه العشرات من السجن الفلسطيني بالحماية الامريكية البريطانية .

اننا ونحن نثني على مبادرة الامير القطري ، واستجابة الرئيس الفلسطيني ، اطلاق سراح هؤلاء ، وتجنيبنا وتاريخنا الذي نصنعه بأيدينا ، محنة خطيرة ، نربأ الاتجار بنا وبعذاباتنا ، بغض النظر عمن يحكمنا ، وبغض النظر ان كان حزبا كبيرا او حتى منتخبا ، فالعودة الى الجماهير ستتطلب ان تكون مثل هذا الممارسات حاضرة في يوم الانتخاب وفي البرامج الانتخابية .

ها هي اسرائيل ، لا يوجد عندها اي معتقل اسرائيلي على خلفية سياسية ولا حتى امنية ، بمن في ذلك الجنود الذي قتلوا ابرياء فلسطينيين ، او عتاة المستوطنين بمن فيهم الذي دهم الطفل من سلوان بسيارته ، وحتى المجرم الضابط الحاخام باروخ جولدشتاين ، الذي قتل العشرات في الحرم الابراهيمي بالخليل وهم ركعا سجدا بين يدي خالقهم ، وقال فيه رابين انه اشعره بالعار مرتين ، مرة لأنه يهودي ومرة لأنه ضابط ، اقامت له دولته نصبا تذكاريا على مدخل كريات اربع .

إن كل التبريرات التي أسمعت هنا وهناك ، ما كانت لتصمد ، وما كانت لتستقيم لدى شعب راكم كما هائلا من الاعتقال والتعذيب والاضراب ، وقلما ظل هناك عائلة فلسطينية واحدة لم تتذوقه ولم تنهل منه ، فأستسغناه ، ليس لأن له طعما انسانيا واحدا في كل أصقاع العالم ، بل لأننا كنا نعرف انه بدونه لن يزول هذا الاحتلال .

والسؤال ، هل فعلا سيعبد اطلاق هؤلاء الطريق امام المصالحة ، ام ان الموضوع كان ذريعة ، ويجري البحث عن بديل لها .

كيلو تي أن تي لكل قبطي 3-1-2011

أيا كانت الدوافع التي ربضت وراء تفجير كنيسة الاقباط في الاسكندرية ، فهي ليست من الدوافع الانسانية على الاطلاق ، وكنا نتمنى ان يكون التطور البيولوجي الدارويني قد توقف عند حدوده الحيوانية لكي لا نصل الى هذه الجرائم ودوافعها المعلنة وغير المعلنة التي يأنف الحيوان ارتكابها ضد اخيه الحيوان ، خاصة حين يكون المستهدف اناثه الضعاف وصغاره اليفّع . فما بالك حين يكونوا بين يدي خالقهم يتجلون .

يكاد يكون الحزن الذي ضرب قلوبنا كبيرا الى حد أنه يفوق حزن الزعيم الديني والزعيم السياسي بمن فيهم البابا ، ليس لأن الاقباط من نفس جلدتنا العربية المصرية ، ولا لأنهم مع أخوتنا السريان والآرامايين والكلدانيين يشكلون خلية حضارية متقدمة في النسيج الكنعاني العريق ، فحسب ، بل لآنهم قبل كل شيء آدمييون ، أعدمت حياتهم وأزهقت ارواحهم فقط لأنهم ذهبوا الى الكنيسة ذاك المساء فما عادوا الى البيت ولا الى الحياة .

فما المعنى الذي يفيده إلاغراق في تفنيد وتفسير دوافع هذا الاعدام الجماعي الرهيب ، والجهة التي تقف وراءه ، والتي على ما يبدو ، كانت ضليعة ومتمكنة وذات تخطيط وتنفيذ عالي التمكن ، والحديث هنا لا يدور عن مئة كيلو من مادة التي أن تي ، بمعدل كيلو لكل قبطي من القتلى والجرحى ، بل على تنفيذ المجزرة في الساعات الاولى من العام الميلادي الجديد ، الذي يحل علينا كلنا بغض النظر عن هوياتنا الدينية المختلفة ، فيفسده علينا شر إفساد ، ويجعلنا نفيق من النوم نلعن اليوم والساعة التي نبدأ فيهما عامنا الجديد ونحن نرى كل هذا الشر المستطير وكل هذه الجثث المتناثرة في شوارع الاسكندرية الجميلة .

حتى لوكانت القاعدة ، فإن هناك أطراف اخرى وراءها ، لا تريد لنا كأمة ان نبدأ سنتنا الجديدة ونحن متفائلون بها ، فالتفاؤل صحة كما يقول البعض ، والتشاؤم والانطواء داء خطير اذا ما اصاب الشعوب والامم فانها تحتاج الى وقت طويل كي تنفض غباره وآثاره التدميرية .

وحتى لو لم يكن هناك من يقف خلف القاعدة ، التي كانت قد هددت بوضوح استهداف كنائس مصر العظيمة ، فإنه من المحظور ان تنجح في ادعاء تمثيل الاسلام ، لأن يديها ملطخة بدم سريان العراق ، وتمثال بوذا في افغانستان ، الذي تم ردمه بشكل رسمي من قبل الحكومة قبل كا يزيد على عشر سنوات .

هل كل هذا حقيقة بإسم الاسلام ، وبتوكيل من رب العالمين ؟

قبل أيام ، اقدم نظام البشير بإسم الاسلام والشريعة على جلد امرأة لأنها ترتدي بنطلونا ، في حين تتهمه وثائق ويكليكس بإختلاس تسعة مليارات دولار من مال الشعب الذي يرزح تحت الفقر والجوع ، في شمال السودان وجنوبه وغربه ، فرأت أمريكا ان "الحل" يكمن في الانفصال ، لا في جلد البشير ، تماما كما رأى البعض القبطي في ان "الحل" هو في الهجوم على المساجد وتحطيم سيارة شيخ الازهر الذي جاء مواسيا ومعزيا ، مع ان الحل يكمن في التوحد لمحاصرة هذا الارهاب ومواجهته مقدمة لسحقه .

ليبرمان أصدق من يمثل الاسرائيليين حكومة وشعبا 27-12-2010

لو جاءت تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي أفغدور ليبرمان الاخيرة التي تصف القيادة التركية بأنها كاذبة ، وان مطالبتها اسرائيل بالاعتذار عما ارتكبته بحق سفينتها مرمرة بأنها وقحة ، وان على تركيا ان تبادر بالاعتذار لاسرائيل ، لو جاءت هذه التصريحات عبر الويكليكس ، ربما لتعاطى معها الرأي العام بطريقة مختلفة ولكان تفاعله معها أكثر ديناميكية وحيوية ، بما في ذلك المجتمع الاسرائيلي الذي سيشعر بوقع عارها عليه ، فليس هناك ما يدعو لوصف اردوغان ووزير خارجيته بالكذابين لمجرد انهما يطالبان اسرائيل بالاعتذار ، على الاقل لم يفعلا ما فعله ليبرمان بالسفير التركي واستدعائه بسبب مسلسل وتعريضه للإهانة المبتذلة وجعله ينتظر نصف ساعة على الباب قبل ان يسمحوا له بالدخول وإجلاسه على مقعد هابط عن مستوى مقاعدهم وإحضار شاي للجميع بإستثنائه .

لم تكن وقتها سفينة مرمرة قد أبحرت بعد ، ولم يكن قد تم اختطافها من المياه الدولية وقتل تسعة من أفرادها ، و احتجازها على مدار سبعة اشهر . وإذا كان الطلب التركي وقاحة من وجهة نظر مسؤول الدبلوماسية في اسرائيل ، فما الذي يمكن اطلاقه على جملة الافعال التي ارتكبت بحق تلك السفينة ، التي لم تفك اسرائيل اسرها الا قبل يومين فقط .

التصريحات الاخيرة للوزير اياه ترافقت بهجوم شديد على السلطة الفلسطينية ، من باب انها غير شرعية ، على اعتبار ان فترتها القانونية قد انتهت ، وانها لا تجرؤ على اجراء انتخابات جديدة خوفا من ان تخسرها أمام حركة حماس . وبدلا من التمعن في ما يصدر عن هذا المسؤول الاسرائيلي ، ننبري للرد عليه ردا ركيكا لا يستقيم الا مع مفرداته وكلماته ، لا على مضمونها ومستنقعه الفاشي ، كأن نقول له ان سلطتنا تحظى بالاعتراف الدولي . اوللهجوم على حماس من انها تحظى بقبول ومباركة هذا العنصري ، متناسين انه وبقية اقطاب حكومته يعدون العدة للهجوم على غزة ، وكأن غزة قد نهضت من ركامها ، وكأنها اصبحت في معزل عن محاصرتها برا وبحرا وجوا بشكل يومي على مدار عدة سنوات .

وبدون ويكليكس ، فقد سبق لليبرمان ان قال "ليذهب مبارك الى الجحيم إذا ظل مصرا على عدم زيارة اسرائيل" ، وهدد بضرب مصر في عمقها وتدمير سدها العالي ، كما هدد بقتل بشار الاسد و جميع افراد عائلته ، وأمام الامم المتحدة قبل ثلاثة اشهر قال انه لا يتحدث عن نقل سكان ، "بل عن نقل حدود لكي تعكس بشكل افضل الحقائق السكانية الجديدة" .

وتتجلى المشكلة العربية / الفلسطينية في الاعتقاد السائد ان ليبرمان في تصريحاته هذه لا يمثل الحكومة الاسرائيلية ، في حين انه في حقيقة الامر اصدق من يمثلها ، ولهذا تراه يحصد وحزبه "اسرائيل بيتنا" ثقة الشعب الاسرائيلي بالجملة والمفرق .

سنة عربية بامتياز ... ننتظر فيها ست دول جديدة 24-12-2010

السنة الميلادية الجديدة التي تزداد التمنيات والصلوات لكي تكون سنة خير وبركة على الامة ، مرشحة لميلاد ثلاثة دول عربية جديدة تخرج من رحم السودان (الحركة الشعبية في الجنوب ) والعراق (دولة كردستان في الشمال) وفلسطين المحتلة ، وإذا ما تمت الولادات الجديدة بالسلامة ، وظلت الام والمواليد بخير وبصحة جيدة ، فإن السنة الجديدة ستكون سنة خير وبركة بكل تأكيد ، وسيرتفع عدد دولنا العربية الى حوالي خمس وعشرين دولة . فماذا لو جاءت الامهات حاملات بدولتين في كل بطن ، دارفور في غربي السودان ، وشيعة العراق في جنوبه ودولة حماس في قطاع غزة المستقلة عن دولة الضفة . ، سيصبح العدد ثمانية وعشرين دولة في عين اللي ما يصلي على النبي ، وسنكيد اسرائيل بهذا العدد المهول أكثر وأكثر ، وبدلا من ان تظل تحثنا على الرحيل الى الاردن او لبنان ، تحثنا على الرحيل الى الدول الجديدة التي لربما تحتاج الى مزيد من السكان ، ومزيد من الايدي العاملة لكي يفاخر النظام بأنه يحكم شعبا كبيرا قائما على التعددية الطائفية التي تتسع للجميع ما عدا حرية الفكر والرأي والمعتقد ، شأنها شأن الدولة الام التي انفصلت عنها للتو .

الدولة الفلسطينية هي التي من المتوقع تعثر ولادتها ، رغم إصرارنطاسييها الذين يواكبونها على مدار عشرين سنة من ان الولادة حاصلة في هذه السنة الجديدة رغم ان ليس هناك من أي مقومات علمية ومادية لمثل هذه الولادة ،والشكوك تدور حول الحمل ذاته . هناك في الطب النفسي ما يعرف بالحمل الوهمي ، وتبدي الأم اعراضا مشابهة لأعراض الحمل الحقيقي ، ويذكرنا هذا بكاريكاتير وضعه الفنان الشهيد ناجي العلي قبل حوالي ربع قرن حين قال الطبيب لسيدة متصابية في خريف عمرها تلبس ثوبا مزركشا جاءت لمراجعته بشأن حملها ، قال لها : هذا إنتفاخ يا منظومة ، وكان يقصد بالطبع منظمة التحرير ، في حين قال الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب "و البلاد إذا سمنت وارمة" .

ونحن على بوابة السنة الجديدة ، لا نريد تثبيط عزيمة أهل العزم توليد الدولة الجديدة ، لكننا لا نقبل انتظار عشرين سنة أخرى من أجل تلك الدولة المزعومة التي نشك حين تقوم انها ستكون مستقلة وذات سيادة على الجو قبل البر والبحر بعاصمة واحدة هي القدس لا رام الله او غزة . بمعنى ان على القيادة الذهاب للبحث عن بدائل لهذه الولادة غير الطبيعية من أجل مولود غير مشوه يكون عبئا علينا لا سندا لنا طال انتظاره . . ويسعفنا وإياهم في ذلك شاعرنا الكبير محمود درويش الذي قال :

ماذا تريدُ؟ عَلَمَاً؟ وماذا تنفع الأعلامُ ... هل حَمَتِ المدينَةَ من شظايا قنبُلَهْ؟/ ماذا تريدُ ؟ جريدةً؟ ... أتفقِّسُ الأوراقُ دُوريّاً وتغزلُ سنبُلَهْ؟/ ماذا تريدُ؟ شْرِطَةً؟ ... هل يعرف البوليسُ أين ستحبل الأرضُ الصغيرةُ بالرياح المُقْبِلَهْ؟/ ما أوسع الثورة ، ما أضيقَ الرحلة ، ما أكبَرَ الفكرة ، ما أصغَر الدولة!.....

عن السنة الجديدة 20-12-2010

لا أنصح المعنيين الهاربين من السنة الحالية إرجاء قضاء حاجاتهم وإحتياجاتهم الى السنة الجديدة ، على اعتبار ان السنة الحالية كانت سنة بؤس وخذلان وتخييب آمال و"بلاوي زرقة" من كل النواحي تقريبا بما في ذلك الناحية الطقسية والمناخية التي حتى عندما ضرب المنخفض الجوي العميق منطقتنا بالامطار والثلوج ، ضرب وطننا بالغبار والاتربة .

ولأن البعض يعول على السنة الجديدة ، كونها في حكم الغيب ، ويمني النفس انها ستكون سنة خير وبركة على شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية ، فإن السنوات الماضية كانت كفيلة بأن تدق ناقوس الخطر في آذانهم التي صمها صدى الخطاب الكاذب ، واعينهم التي أغشاها الصديد ، حيث بعد نهاية كل سنة ينتقلون الى السنة الجديدة حاملين اليها همومهم ومشاكلهم وقضاياهم رغم كافة التمنيات والتهاني بأن تكون سنة جديدة جيدة ومعطاءة وسخية ، لكن سرعان ما تنتهي السنة المأمولة ليكتشفوا ان الجديدة جاءت أكثر سوءا وبؤسا من سابقاتها .

في سودان البشير على سبيل المثال لا الحصر ، دغدغ مشاعر جماهير الصم والبكم ، انه سيطبق الشريعة في حالة انفصال الجنوب ، في الوقت الذي يكشف عنه ويكليكس انه سرق تسعة مليارات دولار ، وهذا يذكرنا بعبارة "الله أكبر" التي فطن البعث العراقي اضافتها لعلمه عشية الغزو الثلاثيني بقيادة امريكا ، فيخرج علينا مفتي السعودية ، فيبارك القوات الغازية بأنهم "مأجورون مشكورون" .

هذه ليست نظرة تشاؤمية كما سيتبادر للبعض ، ولا تفاؤلية بالطبع ، لكنها نظرة موضوعية لواقعنا البائس من المحيط الى الخليج بالرغم من فوز قطر بإستضافة مونديال 2022 وبالرغم من تأجيل المحكمة الدولية إصدار قرارها الظني في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري وبالرغم من اعتراف البرازيل بدولتنا المستقلة على حدود 1967 .

من غير المنطقي ان نرى الجنازة ونقول لها "دايمة" لكي يقال عنا اننا متفائلون ، هذا جزء من ذر الرماد في العيون ، بل هو أكثر من ذلك بكثير ، لربما جزء من ماكينة الدولة العربية في تاريخها التليد والحديث ، ان يكون لها جوقتها من "المتفائلين" الذين يرّحلون قضايا الناس الى المستقبل وحكم الغيب الذي لا يعلم كنهه الا الله ، الى ان جاء الشاعر الفيلسوف ابو الطيب المتنبي فأطلق صيحته المتأسية "عيد بأية حال عدت يا عيد " وظل صداها يتردد من ما يزيد على ألف سنة .

فمثلا ، كيف يكون هناك تحرير بدون مقاومة ؟ وكيف يكون هناك مقاومة فاعلة بدون وحدة وطنية ، وكيف يكون هناك وحدة وطنية بدون مصالحة ، كيف يكون وقف مفاوضات بدون وقف التنسيقات ، وكيف يكون وقف العلاقة مع الابنة (اسرائيل) والانصياع الكامل لوالدتها (امريكا) . وبلغة العلم ، كيف يكون هناك استراتيجية صائبة بتكيكات هزيلة وهزلية .

معادلة أمريكا ... أسمعت كلماتها من به صمم 10-12-2010

هذه ليست ابتسامات الاسد التي حذّر منها شعرا خالدا ابو الطيب المتنبي حين قال "إذا رأيت نيوب الليث بارزة / فلا تظنن ان الليث يبتسم " ، فأمريكا ، والحديث موجه للمراهنين على تطور موقفها بعد اصدامها بالموقف الاسرائيلي المتعنت بالرغم من العطايا السخية ، لن تظهر لنا اسنانها البيضاء لنسء فهمها فيتضح انها نيوبا وأضراس القضم لا الابتسام .

لقد عبرت ما بعد اصطدامها بالصخرة الاسرائيلية ، وهنا سيخرج علينا من يراهن على ان الصخرة ليست اسرائيلية ، بل نتنياهوية مع اقطاب حكومة يمينية متطرفة ، وهي - أمريكا - قادرة على تفكيكيها وإجراء انتخابات مبكرة كعادة معظم حكومات اسرائيل ، فإننا سنستبق الاحداث بشكل متفائل ، وسنفترض ان امريكا تكشف لنا عن ابتسامتها ، بعد اذعاننا لكل ما طلبته جملة وتفصيلا ، من ان الانتخابات القادمة ستعيد الليكود الى سدة الحكم ومعه حلف يميني أشد وطأة وأكثر عددا ، الا إذا اعتبر البعض ان كاديما شارون سابقا وموفاز حاليا ، يسار وليبرال ، سيعطينا دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف التي يتداعى اقصاها ويئن شعبها تحت وطأة التطهير والتظيف العرقي بما يتلاءم مع يهودية الدولة .

وعودة لجملة البوادر الامريكية السلبية تجاهنا ، والتي كان يجب ان توجهها الى اسرائيل ، فإن اولها امتعاضها من اعلانات الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 ، ثم الاقتراح الذي قدمته بانسحابات اسرائيلية من مدن الضفة مقابل العودة للمفاوضات لصياغة اتفاقية إطار في غضون عام ، ثم استخدمت تعبير "مشاورات" مع القيادتين الاسرائيلية والفلسطينية في واشنطن بدلا من تعبير مفاوضات التي كانت قد استبدلته بمفاوضات غير مباشرة ، وقد استغرقنا ذلك عدة أعوام لم تتوقف خلالها جرافة نتنياهو ولا جرافة من سبقه ، عن بناء المستوطنات الهدام في الارض الفلسطينية المحتلة ، والتي اعتبرها برلمانييون اوروبيون مؤخرا لدى جولة لهم في عدد منها انها – المستوطنات - معاقل للحرية . وأخيرا عبرت امريكا بصريح العبارة عن رفضها فكرة اعترافها بالدولة الفلسطينية ، لا على حدود 1967 ولا حدود 87 ولا حتى حدود ما قبل الانتفاضة الثانية نهاية عام 2000 بعد ان شرعت ببناء جدارها العازل .

إن جملة هذه المواقف الامريكية واضحة حتى لمن أصابه الصمم ، وهو ما يعيدنا للشاعر الكبير المتنبي في نفس القصيدة "انا الذي نظر الاعمى الى أدبي / فأسمعت كلماتي من به صمم" .

نتحلل من أمريكا ، مدعية انها راعية السلام ، اسرع لنا من البقاء تحت نابها الازرق ، بالرغم من المشقة والصعوبة ، خاصة في الامر المروم ، الذي قال فيه المتنبي :

"إذا غامرت في أمر مروم / فلا تقنع بما دون النجوم--- فطعم الموت في امر حقير / كطعم الموت في أمر عظيم " .

ساحل العاج دولة برئيسين ... لدينا ذلك وما هو أسوأ . 6-12-2010

يتندر الناس على دولة ساحل العاج التي كانت حتى يوم الانتخابات برئيس واحد ، وبعد الانتخابات اصبحت برئيسين ، وهو أمر يثير التندر فعلا ، وما كان هذا التندر ليصلنا في العالم الثالث لو ان المسألة كانت معكوسة ، بمعنى لو انها كانت برئيسين قبل الانتخابات ، واصبحت برئيس واحد بعدها ، وهو المعنى الذي تفيده الانتخابات أي انتخابات في حدودها الدنيا : تداول السلطة ، تغييرها ، منح الثقة او تجديدها ، والاهم تشريعها من قبل الشعب لمدة زمنية محددة .

واذا كانت انتخابات ساحل العاج التي جلبت رئيسين للبلاد قد اثارت تندرنا ، فإن لدينا في عالمنا العربي "سواحل عاج" متعددة تثير التندر وما هو أكثر سوءا. هل نبدأها بالصومال الذي شهد انتخابات رئاسية قبل خمسة اشهر ، وهو المقسم عمليا الى اربع كيانات متصارعة وترغب كل قبيلة اعلان دولتها المستقلة .

أم في العراق الذي شهد انتخاباته في ظل الاحتلال العسكري الامريكي قبل تسعة اشهر على أجندات طائفية بحتة ، كأن يكون الرئيس كرديا ورئيس الوزراء شيعيا وورئيس مجلس النواب سنيا دون ان تنتفي امكانية تقسيمه الى دويلات .

الوضع في لبنان ، لا يختلف كثيرا عن العراق من ناحية الكوتة الطائفية ، التطور الجديد ان الحكم الفعلي فيه ليس للرئيس المسيحي المنتخب ولا رئيس الحكومة السني ولا حتى رئيس مجلس النواب الشيعي .

الوضع في السودان الذي شهد انتخاباته الاخيرة قبل ثمانية اشهر ذهبت بالبلاد نحو انتخابات جديدة من نوع آخر هي "الاستفتاء" لكي يصبح دولتان ، وكأنه ليس كذلك من قبل ، دارفور ايضا إذا ما اتيح له الانفصال عن الخرطوم فإنه لن يتأخر ، فهو الاكثر فقرا وجوعا وبؤسا ومذابح .

الخليج العربي المتسع لست دول مقسمة بين المملكة والامارة والسلطنة والمشيخة و لا يتجاوز تعداده الإجمالي عدد سكان مدينة بغداد ، ويورث فيه الحاكم ، ملكا واميرا وشيخا وسلطانا ، الحكم الى ابنه بدون أي نوع من الانتخابات .

فلسطين ، قضية العرب الاولى ، شهدت انتخابات تشريعية قبل خمس سنوات فأصبح لدينا بدلا من السلطة الواحدة سلطتان وحكومتان بحوالي خمسين وزيرا ، ودولتان منفصلتان يحتاج المواطن للعبور من الاولى الى الثانية الى تأشيرة ، رغم انها ما زالت محتلة .

ترى ما الذي ظل من عالمنا العربي الذي يتندر على ساحل العاج ، اليمن ؟ التي وحدها النظام بالحرب ، وها هي تنفجر الى أكثر من يمنين .

مصر ؟ التي يدرس رئيسها الغاء انتخاباتها .

سوريا ؟ التي عدلت دستورها كي يستوعب وريثها .

الاجدى بنا ان نتندرعلى انفسنا بدلا من التندر على ساحل العاج .

انتخابات مزورة اقل سوءا من لا انتخابات بالمرة 3-12-2010

كثر الحديث واللغط عن الانتخابات المصرية التي لطالما انتظرتها أحزاب المعارضة كي تجري التغيير المنشود و المرجو ، سبقتها بأيام الانتخابات الاردنية ، واجتاحت الكثيرون موجات غضب إزاء النتائج وازاء ما صاحب العملية الترشيحية والاقتراعية والفرزية وبلغ الامر ان يشعر البعض بالاحباط اليأسوي من الانتخابات العربية عموما ، التي حين يحصل وانها تأخذ مكانها ، فإنه يتم التلاعب فيها عيني عينك ، فتتعمق قناعة ان لا انتخابات عربية نزيهة ، ويندرج تحت هذه القناعة ما يفيد ان الديمقراطية الانتخابية شيء ما متناقض مع الجينات العربية ، وبدلا من توجيه اللوم للأنظمة الحاكمة بالحديد والنار رغم ديمقراطيتـ(ها) ، يتم الهجوم والتهجم على الجماهير العربية التي وصفها احد ضيوف برنامج الجزيرة "الاتجاه المعاكس" بأنها – الجماهير- كقطعان الغنم ، ثم عاد وسحب كلامه مقدما اعتذاره للغنم .

إن أحزاب المعارضة في مجملها لا تختلف كثيرا عن الحزب الحاكم ، وهنا فإننا لا نتحدث عن البرامج ، لطالما هي شعارات محبرة على الورق ، بل عن منهج الحياة الديمقراطية داخل هذه الاحزاب ، بغض النظر عن تقدميتها او رجعيتها ، نحن نعرف أحزاب التصنيفين وما بينهما ، حيث يحتل الامين العام موقعه منذ عشرات السنين ، وإذا كان الزعيم القذافي هو الأقدم (يتبوأ موقعه منذ احدى واربعين سنة) ، فهناك من سبقه في أمانة بعض أحزاب المعارضة ، وان غالبيتهم العظمى حتى ولو لم يتقدموا على القذافي في السباق الزمني ، فلأنهم انتقلوا للرفيق الاعلى وهم ما زالوا ممسكين بأمانة الحزب ، فأي ديمقراطية هذه التي يتحدثون عنها ، واي منطق مقبول وهم يأخذون على النظام الحاكم تمسكه بالسلطة عشرات السنين ، بل وكيف يمكن ان يسلم النظام الحاكم مقدراته لمعارضيه من احزاب المعارضة ويرحل ، في حين انه أمين عام الحزب لا يسلم مقاليده لنائبه او لرفيقه الذي يجلس الى جانبه ويشاركه تطبيق برامج حزبه ردحا طويلا من الزمن الأغبر ، ولهذا على سبيل المثال لا الحصر انشقت حركة القوميين العرب الى شباب الثأر فجبهة النضال والقيادة العامة والجبهة الشعبية ، وبعد مرو وقت قصير وطويل ، انشقت كل جبهة الى جبهتين ، وحتى الجبهة المنشقة انشقت من جديد ، كالديمقراطية المنشقة عن الشعبية التي انشقت عنها حركة فدا .

وفي خضم هذا التحرك الانتخابي على علاته واخطائه وخطياه ، فإنه لم يعد بمقدور النظام العربي تجاوز الانتخابات الدورية ، وخلال حقبة اخرى من الزمن فإنه لن يكون بمقدوره تزويرها عيني عينك ، ليس فقط من باب اخضاعها للرقابة الصارمة ، بل لأننا اصبحنا نرى الجماهير تنزل الى الشوارع مقدمة مجهودها في الاعتراض والاحتجاج . في الماضي لم تكن الانتخابات تهمها وكأنها شيء ما لا يعنيها، وهو تعبير واضح ان الجماهير اصبحت مهتمة بمن يحكمها لفترة زمنية محددة . وعليه فإن اجراء انتخابات مزورة اقل سوءا بمرات من لا انتخابات ، تحت مبررات ومسوغات لا تنطلي حتى على مطلقيها .

معادلة حلف التصدي لأمركا واسرائيل 26-11-2010

بزيارة رئيس وزرائها الى لبنان ، تكون تركيا قد تقدمت خطوة صريحة اخرى نحو حسم موقفها ضد اسرائيل ، بحيث ان خطابه التهديدي ضدها كان واضحا وصريحا فيما يتعلق بأي من اعتداءاتها عليه او على غزة ، من ان بلاده لن تقف موقف المتفرج . اردوغان الذي يعمل في السياسة من ابرز مواقعها ، ألمح في خطابه ، انه سيتصدى للانظمة التي لا يعجبها التقارب التركي مع العرب ، وهو بالتأكيد يعرف انها تصطف مع اسرائيل بطريق مباشر حيث ترتبط معها باتفاقيات موقعة ، او بطريق غير مباشر وعبر وسيط غير نزيه هو الولايات المتحدة ، وبالتالي فأن التلميح يطول حلفاء اسرائيل من فوق ، امريكا وبعض دول اوروبا ، ومن تحت ، اي الانظمة العربية الكبيرة والمتهالكة في الصغر على حج سواء .

وما كان لتركيا ولا لطيبها اردوغان ، ان يتقدموا على هذا الطريق الوعر والخطر ، لو لم يوصد الاتحاد الاوروبي بواباته امامها ، في حين فتحها لكل من هب ودب ، مدركا ان قرار الاغلاق هو اسرائيلي بحت ، هذا من جهة ، ومن الجهة الاخرى ، فإن الطريق على وعورته وصعوبته ، فإنه ليس بكرا ، فهناك من يسير فيه منذ عقود ، وبالتحديد طهران ودمشق وبغداد قبل احتلالها ، والتي تنهض من جديد .

اما لبنان ، الذي يتخوف نتنياهو ، صاحب مشروع الدولة اليهودية ، فهو يتخوف من ان يسيطر عليه حزب الله ، فإن اردوغان يعرف أكثر من نتنياهو ، من ان حزب الله بعد ان تصدى للاسرائيل ، انما سيطر فعليا على لبنان وعلى أفئدة الجماهير العربية والاسلامية في العالم .

وعليه ، فإن الزيارة ، تحمل في طياتها اعلان مبطن عن الانضمام للحلف ، الذي يرغب البعض اعتباره اسلاميا او شيعيا ، او عربيا ، وهو في حقيقته حلفا امميا ، تنخرط فيه ثلاثة امم عريقه ، ذات حضارات تليدة تمتد الى الاف السنين يدينون بالاسلام والمسيحية وكذلك اليهودية ، وبعض من هذه الامم حكمت العالم في اربعة ارجائه ، واشاعت الفكر والادب والعلم والفن .

يكفي هذا الحلف فخرا انه يستطيع ان يقول "لا" لأمريكا ، و "الويل" لإسرائيل ، التي تهيمن على المنطقة وكيلة عن أمريكا ، وفي الآونة الاخيرة ، شريكة لها ، وتمعن في احتلال الشعب الفلسطيني ، الذي جنحت قيادته للسلم معها ، لكنها وعلى مدار عشرين سنة مفاوضات لم تقبض غير الريح ، وأخيرا تمنحها امريكا رشوات تفوح منها اعتى الرائحات عفنا ، فترد عليها بسن قانون الاستفتاء الذي يشرع عمليا احتلالها للقدس والجولان .

يكفي هذا الحلف فخرا انه يضم ما يناهز مئتي مليون انسان ، لهم دين واحد : التصدي للشر .

و ما زلنا لا نعرف ان كان الرئيس الفلسطيني قد وضع امكانية الانضمام لهذا الحلف من ضمن الخيارات الخمسة التي قدمها لأمريكا .