الاثنين، 17 يناير 2011

"بالصمغ هذي الدمى الوطنية واقفة"

قال الشرطي للخريج الجامعي العاطل عن العمل وهو يبيع الخضار على عربته : غادر الساحة ، فهبت الجماهير تقول لزعيمها : انت من يجب عليك مغادرتها ، فغادراها الاثنان ، واحد الى المجد والخلود ، والآخر الى مزبلة التاريخ .

ليس هناك من شيء ، اي شيء ، استطاع حمايته وزمرته من غضبة الشعب ، لا ولا أجهزته الامنية والعسكرية والدبلوماسية والحزبية والاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة ، لا ولا سجونه واسلحته ودباباته وطياراته وأمواله ، لا ولا علاقاته وتحالفاته الداخلية والخارجية العلنية والسرية مع الشمال والجنوب والشرق والغرب وما بينهما (اسرائيل) ، وعندما فر بريشه بالكاد أخذ معه افراد عائلته ، ووجد الجميع يتنصلون منه وكأنه فأر أجرب ، وحامت طائرته ، التي من حق الشعب استعادتها ومعها المليارات التي كان قد هربّها ، حامت ساعات قبل ان تشفق عليه دولة مملكة مشترطة عليه ان لا يكون معه اموال وان يجلس ساكتا .

لا يقتصر هذا على طاغية تونس ، بل ان معظم زعماء الامة ينطبق عليهم ما انطبق عليه بدرجات متفاوتة ، خاصة في موضوع الحريات والحقوق والديمقراطية ، ولهذا لم يكن بينهم زعيما واحدا غادر السلطة خلال الستين سنة الماضية ، بإستثنائه ، ومن افتقده الله ، وكان كما كلنا نعرف ، قد رتب توريثها لإبنه .

هل هناك من يشك في ان الزعيم الفلاني او العلاني سيترك السلطة مع نهاية ما يسمى بدورته الدستورية دون ان يورثها لإبنه ، او دون ان يدستر مادة جديدة تقضي بأن يحكم مدى الحياة . وحين يكون هناك تدخلا ربانيا مفاجئا يتم تعديل الدستور لينطبق على ابنه او اخيه او عمه .

واهم وحالم من يعتقد ان الزعيم العربي ، سيتعظ من الدرس التونسي ، فقد سبق ان كانت هناك دروس ابلغ رغم انها لم تكن بوطأة النظام العربي ، مثل شاه ايران و شاوشيسكو وبينوشيت ، وهي حالات خلع حدثت في الزمن القريب ، لكنا بدلا من ان نرى اتعاظا ، رأينا توغلا وتعمقا في التمسك بالحكم حتى الموت وما بعد الموت ، وبهذا ما زالت الشعوب المحكومة ترى صور الزعيم الراحل تملأ الساحات والشوارع والمرافق ، وكأنه كان بطلا فذا وقائدا عظيما ، وفي الحقيقة لم يكن اكثر من طاغية تونس ، وأداة في يد امريكا واسرائيل .

في السودان ، يضحي القائد الملهم بنصف الوطن من اجل ان يبقى الحاكم ، وفي لبنان "الديمقراطي" يضع الحاكم مصلحته ومصلحة ابيه الذي قتل قبل ست سنوات ، على مصلحة الوطن والشعب ، وفي اليمن تساءلت عن الرئيس إن كان بدون ابناء بعد ان أعلن انه سيظل رئيسا مدى الحياة .

الحاكم الأخير المخلوع ، ليس الا نسخة عن الحاكم العربي ، وقد تكون نسخة محسنة ، على الاقل لا يظهر في المسجد كل جمعة فتدوشنا وسائل اعلامه بهذا الظهور الايماني ، لا يحمل عصا يلوح بها في السراء والضراء ، لا يجلد المرأة في الشوارع بحكم الشرع ، لا يحظر على المرأة قيادة السيارة ويجبرها حين تكون محامية ان لا تلبس البنطلون تحت الزي القضائي ، لم يحكم كما حكموا ثلاثين سنة فأكثر . وعليه فإن الطاغية المخلوع لن يكن الاخير ، فهم كما لاحظنا ووفق الشاعر الكبير مظفر النواب : "بالدبابيس والصمغ هذي الدمى الوطنية واقفة / قربوا النار منها / لا تخدعوا انها تتغير / لا يتغير منها سوى الاغلفة ."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق