الثلاثاء، 9 مارس 2010

عن التاريخ وافتراءاته 15-2-2010

لا اعرف كثيرا عن التاريخ ، بما في ذلك تاريخنا ، ذلك ان من درسّنا هذه المادة في المرحلة الابتدائية والاعدادية ، كان هو نفسه مدرس مادة الدين او مدرس اللغة العربية ، وفي المرحلة الثانوية درسنا المادة مدرس حاصل على الليسانس في الجغرافيا الذي تخرج انتسابا من جامعة بيروت العربية ، على اعتبار ان من تخصص في الجغرافيا يعرف في التاريخ ، ولهذا كثيرا ما كان يتم دمج المادتين معا ، وأميل للاعتقاد ان هذا ما زال قائما حتى يومنا هذا في مدارسنا على كافة انواعها وفي كافة مراحلها .

وينتاب الطلبة في مدارسهم شعور اشمئزازي ثقيل من مادة التاريخ ، يتسرب اليهم اما من المنهج المقرر ، وإما من المدرس ذاته ، الذي نادرا ما يكون متخصصا في هذه المادة ، ولكن نزولا عند قرارات التعيين يقبل بتدريسها على مضض . ويتواصل الشعور الاشمئزازي لدى الطالب وهو على مقاعد الجامعة ، ولهذا نادرا ما ترى في جامعاتنا تخصصا في التاريخ ، بل بالكاد بعض المساقات التي تم وضعها كما اتفق ، وتكرارا لما كان الطلبة قد لقنوه صغارا .

لم تنتابني المفاجأة كثيرا حين قال لي احد حملة الدكتوراة في علم طبقات الارض والحاصل عليها من احدى الجامعات الأمانية ، ان الطلبة اليهود القادمين من اسرائيل لنيل الدرجات العليا انما يقبلون اكثر ما يقبلون على مادة التاريخ ، ربما لأن العلماء الالمان وبالتحديد ماركس واستاذه هيجل توصلا الى اخطر الاستنتاجات ، من "ان التاريخ هو العلم الوحيد الذي نعترف به " ، لأن احداثه قد حصلت فعليا وتمت ولا يستطيع احد تغييرها . ولهذا برع المؤرخون العظام في المواد العلمية كالفيزياء والكيمياء والاحياء ، وحرص قادة الاستعمار الحديث ان يصحبوا معهم بعثات البحث والتنقيب عن التاريخ وآثاره ، وأقدم نابليون في مصر على قصف تمثال ابو الهول حين استعصى عليه حمله ، ورأينا كيف نهبت متاحف بغداد لدى احتلالها امريكيا قبل نهب بنوكها .

ان ما يتعلمه طلبتنا في مقرراتهم المدرسية والجامعية ليس تاريخا بقدر ما هو افتراءات على التاريخ ، يقتبسوا منه ما يلائمهم ويلائم الاسر التي حكمت وما زال البعض منها يحكم ، و يهملون كل مساوئهم ونواقصهم ، يصورهم "التاريخ" كأنهم آلهة تمشي على الارض ، فلا نملك الا ان نحبهم وسرعان ما نكتشف انهم بشر مثلنا ، في حين لا نقرأ شيئا عمن نافسهم او ناهضهم ، وحين يحصل شيئا كهذا يصورهم هذا التاريخ انهم شياطين ملاحدة متوحشون وجهلة ، لا نملك الا ان نكرههم .

وحين ادركت متأخرا ان من لا يعرف في التاريخ ، لا يعرف في الحاضر ولا في المستقبل ، يترك الامور على عواهنها تقررها الاقدار ومطابخ السياسة العالمية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق