الخميس، 4 مارس 2010

زيارة صيف في سحاب غير عابر 22-8-2008

تعد الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الاسد الى موسكو زيارة نوعية بكل المقاييس ، ليس فقط من باب انها تأتي في ظل حالة حرب بين روسيا المضيفة وجورجيا التي يصطف خلفها حلف الاطلسي كله بزعامة الولايات المتحدة الامريكية والتي هددت وتوعدت وارسلت مبعوثيها لاجبار روسيا على الانسحاب ، بل ايضا في ظل مفاوضات سوريا ، الضيفة ، مع اسرائيل بالوساطة التركية والتي لم تصل الى خاتمة حاسمة تجاه السلم او عدمه بعد .

هذه الزيارة التي يمكن النظر اليها من الوجهة السياسية والعمل الدبلوماسي والبروتوكولات الدولية بأنها خطأ ولربما خطيئة ، وأن التاريخ الحديث لم يسجل الكثير من أشكالها ، تنفع لأن تؤرخ لحقبة جديدة قد تمتد لسنوات طويلة قادمة ، وتنفع لكي تكون مادة تدريسية دسمة لطلبة كليات العلوم السياسية في الجامعات العالمية .

نوعية الزيارة تتجاوز شكلها وتوقيتها الى مضمونها الذي رشح منه تأييد علني مبالغ فيه للموقف الروسي بالحسم العسكري ضد جورجيا ، الامر الذي يفيد تلقائيا موقفا مناهضا لامريكا وفرنسا والذي عكس ذاته سريعا بتأجيل زيارة وزير الخارجية الفرنسي كوشنير الى دمشق والتي كانت مقرة مسبقا .

أما الموضوع الآخر في مضمون هذه الزيارة فهو استعداد الاسد نشر الدرع الروسي "اسكندر" على الاراضي السورية ، وهو الامر الذي يتعدى المناهضة التقليدية من دولة مدرجة على قائمة الارهاب الامريكية ، الى الدخول الفعلي في الحشد والحشد المضاد في منطقة تقف قاب قوسين وأدنى من الحرب على ايران قبل ان تنجز أمريكا ما فعلته في العراق بعد .

الموقف السوري الذي يجسده الرئيس بشار الاسد ، سيكون بلا شك محط انتقاد وادانة من قبل بقية الانظمة العربية ، خاصة تلك الموالية لأمريكا والتي "تسمح" بإقامة القواعد الامريكية على اراضيها ، برا وبحرا وجوا ، لن تسمح بهذا التطور الدراماتيكي الذي مفاده إدخال السلاح الروسي الى المنطقة التي ظلت طوال عمرها حكرا على امريكا .

وبالقدر الذي ستدين فيه الانظمة موقف الاسد ، ستلتف الجماهير العربية من حوله ، على الاقل من باب "رد الجميل" إزاء دولة وقفت دائما مع القضايا العربية والتي قابلها الزعماء العرب بالجحود والنكران بدعوى الحادها وخطرها الشيوعي الزاحف ، و وصل الامر ببعضها رفض الاعتراف بها ، فتكتشف الآن مصدر ومكمن الخطر الحقيقي على قضايا الامة وثرواتها ومقدراتها ، للدرجة التي تقوم فيها صديقتهم المؤمنة باحتلال العراق وافغانستان وتهديد سوريا وايران .

موقف الاسد يعيد الى الاذهان حال أمة اعتقدنا انه جف ضرعها وتيبست فيها عروق الحياء فعاقبت الصديق وكافأت العدو ، وانكفأت على اسوأ ما يكون الانكفاء ، فهل سينجح الأسد الصغير في هذه المهمة الكبيرة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق