الخميس، 4 مارس 2010

من دلال الى ناديا المبتور ساقها من اعلى الفخذ 23-1-2009

ظهرت الطفلة دلال ابو عيشة تبكي دموعا ساخنة سخية لا تتوقف ، وكأن مآقي عينيها قد فتحت مرة واحدة على مصاريعها ، بدت وكأنها لاتعرف على ماذا وماذا تذرفها ، على الام ام على الاب ام على أختها الاصغر غيداء ام على شقيقيها محمد وسيد ، وهذه كل عائلتها ، من الكبير الى المقمط في السرير ، كما يقول المثل الذي جاء لينطبق تمام الانطباق على دلال . في الماضي البعيد كان هذا المثل ينطبق على الغول الذي يأتي ليقضي على العائلة بأكملها ، ومن اين لدلال ان تعرف انه سينطبق عليها ، فيأتي "الغول 2009 " فلا يبقي لها الا بعضا من بقايا ثيابهم وقطتها .

هذا غول حقيقي يا دلال ، تقول لنفسها او لقطتها ، بعد ان لم يظل احدا تقول له او توجه له كلامها ، هذا غول لا يبقي ولا يذر ، وكأنه لا يشبع من واحد او اثنين ، وكأنه بعد ان يأكل الام والاب و يتجشأ بهما ، يتحلى بالصغار امثال سيد وحمودة . هذا غول يهدم المنزل بكل اركانه بما في ذلك غرف النوم والحمام والمكتبة ، ربما لانه لم يعرف عن دلال وعودتها ، كان لربما ترك لها غرفتها كي تبيت فيها ، او كان لربما انتظرها بعض الوقت ، او عاد صباحا كي يفطر عليها .

دموع دلال كانت لا تخلو من غضب طفولي ، تعرف تماما اين تصب جامه ، لكنها في بعض اللحظات تبدو كما العاجزة عن ملاحقة الغول ، او اليائسة من عودته السريعة ، فنراها تذهب باللائمة على اهلها ، وتسألهم : ماذا فعلت لكم لكي تتركوني ، لماذا لم تأخذوني معكم ؟

مع دلال عشرات بل مئات الدلالات الاخرى من الاطفال الذين مر الغول من منازلهم ، وأتى عليها تماما كما اتى على منزلها وعائلتها ، بعضها كان الاطفال رضعا ، أصغر من سيد ومن محمد ، وبعضها كان هناك الجد والجدة ، وفي بعضها التهم الاب امام الابن او الابن امام الاب .

ستكتشف دلال ايضا ، ان الغول مر على اسرة طفلة اسمها ناديا ، من حي الشجاعية ، غير البعيد عن حيها ، لكنه البعيد زمانيا ، أكثر من نصف قرن ، لم يكن هناك فضائيات ولا كاميرات توثق مسار خط الغول ، باستثناء القلم .

في مجموعة غسان كنفاني القصصية " ارض البرتقال الحزين " التي كتبها عام 1956 ، كان هناك "ورقة من غزة" تتحدث عن ناديا ، بل عن ساق ناديا المبتورة من اعلى الفخذ : " في منتصف العام ضرب اليهود مركز الصبحة وقذفوا غزة بالقنابل واللهب .... كانت الشمس تملأ الشوارع بلون الدم ، كانت غزة جديدة كل الجدة ، كل شيء ينتفض حزنا على ساق ناديا المبتورة من اعلى الفخذ ، حزنا لا يقف عند حدود البكاء ، بل التحدي وما هو اكثر ، انه شيء يشبه استرداد ساق نادية المبتورة من اعلى الفخذ " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق