الاثنين، 19 يوليو 2010

في بيتنا عشر قداحات 19-7-2010

عكفت "المؤسسة" الحاكمة منذ ما اطلقت عليها ثورتها الصناعية على تشغيل العمال في مصانعها الجديدة وسنت قوانين بذل اقصى جهدهم بما في ذلك تشغيلهم ثلاث ورديات وجلب نساءهم معهم ولا بأس من أطفالهم ممن كفت امهاتم عن ارضاعهم ، فيعيقوهن بالتالي عن إداء عملهن والقيام بواجبهن ازاء المصنع ، وكأن هناك واجب أسمى من ارضاع ام رضيعها .

كان هدف المؤسسة هو زيادة الانتاج على حساب كل شيء وأي شيء ، لكن وبعد ان حققت المؤسسة هذا الهدف اكتشفت انه لا يفي بالغرض ، بل لا بد من زيادة الاستهلاك ، كي تستمر الوتيرة ، إذ لا معنى لزيادة منتج لا يتم استهلاكة . واذا كان العمال هم المنتجون على اعتبار انهم لا يملكون وفق كارل ماركس الخالدة "الذين يملكون لا يعملون والذين يعملون لا يملكون" فإنهم ايضا العمال هم المستهلكون لأنهم يشكلون السواد الاكبر من الناس .

أسوق كل ذلك بعد ان "اكتشفت" قبل عدة ايام انه يوجد في بيتنا الصغير حجما وعددا من افراد اسرته انه لدينا عشر قداحات وأكثر ، باشكال والوان وانواع واحجام مختلفة ، لعضها الكتروني وبعضها على الغاز وبعضها يستخدم لمرة واحدة وبعضها يعاد تعبأته عبر انبوبة غاز تباع في الدكان المجاور لمنزلنا ، وتنبهت ان بعضها يوزع كهدية مع كل عشرة علب سجائر تشتريها مرة واحدة ، وان أغلاها على على الاطلاق لا يتجاوز شيكلا واجدا .

وخلال استعراضي لقداحاتي العشرة ، وجميعها تقريبا في حالة جيدة ، تذكرت كيف كان عليه الحال في بيتنا اياه قبل اربعين سنة عندما كان عدد افراده اضعاف ما هم عليه اليوم لم يكن لدينا الا قداحة واحدة نجرص على حفظها في مكان امين ، مشتري لها فتيلها الخاص بها وكذلك مادة الاسبيرتو وحجرها الذين كان يحمل اسمها "حجر قداحة" ، ولا بأس ان يكون لدينا علبة كبريت من نوع ثلاثة نجوم التي كان ينتجها مصنعا في نابلس لا أعرف ماذا حل به الآن إزاء هذه المنافسة غير العادلة .

اكتشفت ايضا ان المسألة لا تقتصر على هذا التضخم في عدد قداحات منزلنا ، بل على أجهزة الهواتف الارضية والنقالة ، اذ لكل هاتفه وشاحنة ، وعدد التلفزيونات والستالايتات والثلاجات والفريزرات وكذلك السيارات التي تقف امام منزلنا ومنازل الجيران الذين تعد حالة بعضهم الاقتصادية أسوأ من حالي . وأنهم في الغالب عمالا او موظفين سيقضون عمرهم كله في العمل كي يسددوا الالتزامات التي ترتبت على امتلاك كل هذه السلع ناهيك عن الثابت من فواتير الكهرباء والماء والهاتف والجوال والغاز والرسوم المدرسية ، بغض النظر عن حجم الاستهلاك . لا بأس ان يعمل ورديتين وكذلك زوجته ، وقبل ان يسدد التزاماتهما يكون الموت قد دهمنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق