ما ان تكتب كلمة "اخطبوط" هذه الايام على مؤشرات البحث الالكترونية ، حتى تجد عشرات المواقع تشرح وتفسر وتنقل وتعلق بالصوت والصورة حكاية هذا الاخطبوط الالماني الذي بالكاد تجد انسانا على وجه الكوكب لم يسمع به .
وحكاية هذا الاخطبوط الذي يثير اسمه الفزع و الاشمئزاز في نفوس الناس لأنه يرمز الى السطوة والبلطجة والاستحواذ على كل ما تطوله أذرعته المتعددة وقرونه الاستشعارية والاستكشافية في حركته اللولبية الدائبة ، انه اليوم يحظى بنوع من التعاطف الشديد بعد الحملة التحريضية الالمانية التي حملته مسؤولية هزيمة المنتخب الالماني .
لم تبدأ مأساة هذا الكائن الذي اصبح بكل هذه الشهرة الا بعد ان نجح في توقع فوز العديد من المنتخبات ، وتفاءل به أبناء شعبه حين بدى انه يقف الى جانب منتخبه الوطني ، للدرجة التي اصبحت المانيا ملها تقريبا تتفاءل به وتنشد موقفه ، وسرعان ما انقلب السحر على الساحر كما يقولون ، بعد ان أحرن على دخول الحجرة الالمانية مصرا في كل مرة على دخول حجرة اسبانيا ، وبالفعل فازت اسبانيا واخرجت المانيا من المونديال ، ووصلت المطالبات الالمانية بعد ذلك الى قتله وحرقه وشويه على نار هادئة ، وكأننا امام مشهد من المثولوجيا الاغريقية القديمة ، من قمة الملهاة الى قمة التراجيديا ، الامر الذي دفع بالامة الاسبانية التنادي والتدخل العاجل لانقاذ حياة هذا المخلوق المسكين ، حتى لو تطلب المرء الى مقايضته باخطبوطات اسبانية او شرائه بالسعر الذي تحدده حكومة المانيا ، بمعنى آخر تحريره من براثنهم لانقاذ حياته ، وعندما رأى الامان مدى هذا الاهتمام به من المنافسين الاسبان أدركوا كم هو ثمين وربما انه جاسوس زرع في اوساطهم ، فأصبحوا فجأة حريصين على حمايته من العابثين الذين يتجمهروا امام قاعدته للفتك به .
لم تنته المأساة / المهزلة عند هذا الحد ، بل لقد بدأ محايدون يتدخلون ويتوسطون ، ليس حرصا على المصير الذي يتهدد حياة هذا الاخطبوط الجبار والذي فجأة اصبح مسكينا ، بل من أجل حل معضلات مستعصية عجزوا عن حلها ، من بينها مشكلة رئيس الوزراء العراقي القادم ان كان العلاوي او المالكي ، فتكتشف ألمانيا انها لديها كنز قد يسهم في حل مشاكل عالمية ليست مقتصرة على الرياضة وكأس العالم . وهي في مقابل ذلك ستحصل على رسومات عالية .
في قادم الايام سنجد انفسنا مضطرين للاستعانة بموقف الاخطبوط ، بحيث سنطلب مساعدته في عشرات القضايا التي أثقلتنا في البحث عن حلول لها دون جدوى ، و يمكن ان نحجز خدماته على مدار حقبة من الزمن بشكل احتكاري ، ان كانت المصالحة الفلسطينية واردة ام لا ، واذا كانت واردة منذا الذي سيكون رئيس الوزراء ان كان من فتح ام من حماس ام من المستقلين ، وان كانت من فتح هل سيكون من اللجنة التنفيذية ام المركزية ... الانتخابات البلدية هل تأجلت ام ألغيت ، وبالتالي سيكون كل شيء معلق في يد الاخطبوط الالماني ، وبالتحديد في واحد من أدرعته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق